مع مرور الأعوام والسنين، ورغم تزايد الإنجازات وتتابع الأحداث الإيجابية التي تعيشها بلادنا الحبيبة بحمد الله، إلا أن ذكرى اليوم الوطني تبقى أكثر المناسبات التي تدفع السعوديين نحو مزيد من الفخر والاعتزاز، لأن ما حدث كان نتيجة ملحمة وطنية خلدها التاريخ بأنصع العبارات ودونها في سجلاته بأحرف من ذهب، كيف لا وهي التي أعلنت للعالم قيام المملكة العربية السعودية التي أصبحت في سنوات قلائل مضرب الأمثال في القيادة الحكيمة التي تقود شعبها نحو الازدهار والنهضة والتنمية، وصارت قبلة للمستثمرين من كافة أنحاء الأرض. وبعد جهود مضنية وتضحيات كبيرة ومجاهدات ضخمة، استطاع مؤسس هذه البلاد المباركة، المغفور له - بإذن الله - عبدالعزيز آل سعود، أن يجمع الصفوف ويوحّد القلوب، ويضع اللبنات الأولى لدولة لم تلبث أن انطلقت في ميادين العطاء والإنجاز، حيث استطاع المؤسس أن يسخّر ما تتمتع به بلاده من مزايا فريدة وموارد اقتصادية هائلة لمصلحة شعبه وأمته. لذلك فإن القاسم المشترك الذي يجمع بين مشاعر كافة السعوديين هو الغبطة والفرح والسعادة، حيث ترتفع أعناقهم فخرا واعتزازا، ويتسابقون لإعلان وتأكيد الانتماء والولاء والوفاء لهذه البلاد العظيمة، كيف لا وهم يعيشون في بلاد الحرمين الشريفين التي أكرمها الله سبحانه وتعالى بأن جعلها مهبط وحيه وحاضنة للمسجد النبوي والمسجد الحرام والنقطة التي انطلق منها نور الإسلام ليشمل العالم أجمع؟ وبشهادة الجميع فقد ظلت قصة توحيد هذه البلاد تشكل إلهاما للعديد من الدول والشعوب، فالصعاب التي اعترضت الطريق كانت أكبر من الوصف، والأهوال التي واجهت الملك المؤسس وأصحابه الذين آمنوا بصدق دعوته وإخلاصه تعجز عنها الكلمات، فالطريق شاق، والمخاطر لا حصر لها. لكن لأن العزيمة كانت صادقة والنية صافية والرغبة في لم الشمل كبيرة فقد استطاعوا تجاوز كل ذلك، وانتصروا على أعدائهم، وجمعوا صفوف شعبهم على كلمة التوحيد التي اتخذوها دستورا لهذه البلاد. وكانت للملك المؤسس رؤية واضحة ورغبة قوية في قيادة بلاده نحو النهضة والتطور، ولأنه كان ملهما وحكيما فقد حرص على بسط سيادة القانون وإنشاء منظومة تشريعية تحفظ الحقوق وتقيم العدالة وتحقق المساواة بين جميع المواطنين، وكل ذلك لأن المؤسس كان يدرك بما وهبه الله من حكمة وبصيرة نافذة أن العدل هو أساس الملك وأولى لبنات التقدم والتطور والمدخل الرئيسي نحو الأمن والاستقرار. بعد أن قدم الملك عبدالعزيز كل ما وسعه من الجهد لأجل وضع بلاده على طريق التنمية وانتقل إلى الرفيق الأعلى، تولى المسؤولية أبناؤه الملوك البررة الذين حملوا الراية من بعده وقادوا المملكة إلى مصاف الدول المتطورة حتى أصبحت يشار إليها بالبنان ويتسابق نحوها أصحاب المهارات العالية والكفاءات من كل أقطار الدنيا بعد أن وجدوا فيها بيئة مواتية للإبداع يتوفر فيها الأمن والأمان. في هذا العهد الزاهر الذي نعيشه تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وساعده الأيمن وولي عهده الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - تسارعت وتيرة التنمية والتطور بخطوات واسعة، وشهدنا العديد من التطورات الإيجابية التي شملت كافة جوانب الحياة ولم تقتصر على تعزيز الازدهار الاقتصادي. كل تلك التطورات جاءت على هدي رؤية المملكة 2030 التي مثلت رؤية إصلاحية وافية على كافة الأصعدة، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، حيث جاءت نتاجا لعصف ذهني مكثف اشتركت فيه كوادر سعودية مؤهلة قامت بدراسة الواقع، واستصحبت تطلعات الشعب ورغباته وتوجهاته وما ينبغي أن تكون عليه الأوضاع، ولم تستثن أيا من القطاعات إلا ووضعت له تصورا واضحا. ورغم تعدّد الإنجازات كما ذكرت، فإن النهضة التشريعية الكبيرة التي نشهدها تمثّل أكبر المكاسب وأعظمها، فقد تضمّنت تعديل الكثير من القوانين بما يتوافق مع انضمام المملكة للعديد من المواثيق والعهود الدولية، إضافة إلى سنّ تشريعات جديدة، والتركيز على منظومة حقوق الإنسان وترسيخها وجعلها جزءا من ثقافة المجتمع. هناك أيضا الحرب المتواصلة التي تشنها الدولة بلا هوادة على مكامن الفساد المالي والإداري والتي أسهمت في توفير مبالغ هائلة تمت إعادة ضخها في شرايين الاقتصاد الوطني وكان لها أثر كبير فيما نشاهده من حيوية، وأسهمت كذلك في توفير أعداد هائلة من الفرص الوظيفية لأبناء الوطن. ولأن مثل هذه السانحة لا تكفي بطبيعة الحال للحديث عن كافة الإنجازات العظيمة التي تحققت، فإنني أكتفي بالقول إن المملكة تعيش مرحلة فارقة في تاريخها، وأصبحت قبلة للباحثين عن الاستثمار الآمن، كما باتت شريكا رئيسيا في صياغة القرار العالمي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالعالمين العربي والإسلامي، وذلك انطلاقا من مكانتها الرائدة وثقلها الكبير على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. كل تلك الإنجازات ما كان لها أن تتحقق لولا فضل الله أولا، ثم هذه القيادة الحكيمة التي تعمل ليل نهار لأجل ترقية حياة شعبها وزيادة رفاهيته. لذلك فإن الواجب الوطني يتطلب منا أن نترجم مشاعر الفرح والاحتفالات ومعاني الولاء والانتماء إلى تصرفات إيجابية في حياتنا اليومية، نتكاتف فيها مع قيادتنا الرشيدة، ونبذل المزيد من الجهود لأجل ترقية واقعنا وتحسين معيشتنا وضمان رفاهية أجيالنا المقبلة. وعلى كل منا أن يشعر تماما أن مصلحة هذا الوطن تهمه قبل غيره، وأن الواجب يستلزم منه المزيد من التلاحم والتفاعل مع ولاة الأمر والمسؤولين عبر الالتزام والتقيد بالأنظمة والقوانين ونبذ كل أنواع التطرف والغلو والفرقة والخذلان، والوقوف صفا واحدا ضد محاولات التشكيك ومواجهة المتربصين، ودعم خطط التنمية وبرامج التطوير ومبادرات التقدم والازدهار. على كل منا أن يشعر أن مصلحة الوطن تهمه وأن الواجب يستلزم المزيد من التلاحم مع ولاة الأمر والمسؤولين عبر الالتزام والتقيد بالأنظمة والقوانين