تخيل أنك حينما تدير محرك مركبتك للذهاب بأطفالك للمدرسة - مثلاً - إذا بك غير قادر على التحرك حتى تستمع لشخص على جهاز لاسلكي يخبرك متى تقود مركبتك للخلف ومتى تمشي بها للأمام، وكم تبقى سرعتك طوال سيرك، ومن أي طريق عليك الالتفاف، ويبقى معك خطوة بخطوة حتى تغادر الحي، ويتسلمك شخص آخر، ويتأكد كل شخص منهم أن من بعده قد استلم السيطرة على تحركك وهكذا. وهو في الوقت نفسه يتحكم بتوجيه ومراقبة جميع السيارات التي بجوارك في الحي نفسه لتصل بأطفالك سالما غانما. فهل يا ترى تستطيع مجازاته في جميل فعله معك، كون الله جعله سبباً أساسياً في وصول أطفالك بصحة وسلامة. فلنكبر الصورة نوعاً ما، تخيل أن أسرتك قادمة من نيويورك جواً -على سبيل المثال- فسيبدأ برج المراقبة بتتبع جميع خطوات كابتن الطائرة متى تتوقف ومتى تقلع وكم ارتفاعها وسرعتها، وما إن تبدأ في الابتعاد قليلاً عن برج المراقبة، حتى يتسلمها برج آخر مخصص للطائرات في السماء، وما إن تتعدى الحدود الإقليمية لدولة، حتى يتسلمها برج دولي بالعادة يكون موقعه في جزر نائية جداً عن الحياة العامة، وفي وسط المحيطات، وموظفوه يبعدون عن أسرهم بالأشهر ويتناوبون على ذلك الموقع كما يتناوب العاملون على البواخر العابرة للقارات. السؤال هنا تخيل أنك من يتحكم بهذه الطائرة، فعلى سبيل التصغير تخيل أنك موظف ببرج مراقبة لمطار لا تصل إليه إلا رحلات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، فكم نفسا وضعها الله تحت رحمة انتباهك وتركيزك، تخيل أنك نسيت أن تأخذ (الدربيل) وتتأكد من أن المدرج يخلو من أي قطع صلبة ألقتها الرياح عليه، وأثناء هبوط الطائرة أو إقلاعها ارتطم ذلك الجسم ولو كان صغيراً بمحرك أو عجلات الطائرة، وتخيل أنك توجه طائرة مليئة بالركاب في جو مظلم يوجد به طائرة مفقودة من على الرادار، تخيل أنك تريد أن تساعد طيارا على الهبوط من دون عجلات، تخيل أنك بهذه البساطة من العمل أو تخيل أنك توجه ما لا يقل عن 15 طائرة في الوقت نفسه ومن وإلى الوجهة نفسها وعلى مدرج واحد، وتخيل أنه عليك إن لم يكن لك «مود» في العمل ذلك اليوم أنه يجب عليك إبلاغ مديرك وإلا ستتعرض للجزاء القاسي إن حصل أو كاد يحصل مكروه لا سمح الله بسبب تشتت انتباهك، تخيل أنك قد تعيش نصف عام في حالة نفسية سيئة قد تبعدك من عملك بسبب حادثة طيران يوشك على الوقوع فقط لغفلتك ثانية واحدة لترتشف كوب القهوة مثلا. تخيل وتخيل وتخيل. تخيل أنك أحد العاملين في شركة خدمات الملاحة الجوية السعودية والتي أعلنت المنظمة العالمية لخدمات الملاحة الجوية «CANSO» حصولها على المركز الثاني عالمياً في عام 2022 على مستوى شركات العالم، تخيل أنك واحد من هؤلاء الذين لا نراهم على كل رحلة طيران تجوب بلادنا ونصل بسلام إلى وجهتنا كل مرة بأن من الله علينا بمثل هؤلاء من (أبطال الجو المجهولين).