قبل ثلاثين سنة ونيف قابلت الأستاذ أحمد الحمدان حينما كان وكيلاً لوزارة المالية بمنطقة مكةالمكرمة، وكان هذا اللقاء في بيت سمو الأمير خالد الفيصل، حينما كان أميراً في عسير، وذلك في منزله الذي كان في طريق المدينة بجدة. وأول ما لفت نظري في شخصية الأستاذ أحمد الحمدان تلك الروح الفكاهية والأسلوب الرشيق الذي ينم عن خلق رفيع وتواضع جم، وضلوعه في أحوال الناس ومعرفته الواسعة بالعوائل وأنسابها وتاريخها في نجد والحجاز. وتوثقت علاقتي بالأستاذ الحمدان بعد تعيين الأمير خالد الفيصل أميراً لمنطقة مكةالمكرمة، فأصبحنا نلتقي عند الأمير ليلياً ما عدا يوم الجمعة، وكان يطيب للأمير -حفظه الله- أن يخوض في أمور الأدب والثقافة ومناقشة المشاريع الاقتصادية والعمرانية والحضارية، وكان الأستاذ الحمدان يدلي بدلوه بشكل واعٍ وعميق. وكذلك اكتشفت في شخصية الأستاذ الحمدان حبه للخير وأوجه البر والإحسان إلى الناس، ومساهمته في عدة جمعيات إنسانية خيرية. ويروي لي الأستاذ وليد الأحمدي مدير جمعية تراحم التي يرأسها الأستاذ الحمدان أنه اتصل به ليلة وفاته يوجهه بتوزيع بعض اللحم على أسر المساجين. ولم أخبر الأستاذ الحمدان عن حالة إنسانية إلا وهرع مسرعاً لمساعدتها واهتم بها. والأستاذ الحمدان نال ثقة ولاة الأمر فأسندت إليه مهمات مالية حساسة قام بها بكل أمانة وولاء. وهناك ملمح مهم في شخصية الحمدان وهو تمكنه من أنظمة وقوانين الحكومة. وكنت أقول له دائماً (رحمه الله) لماذا لا تدون هذه المعلومات الثرية والذكريات المفيدة التي توضح للأجيال تطور المملكة ومراحل بنائها، ولكنه لم يفعل لانشغاله بالعمل الخيري وعضويته في عدة جمعيات خيرية. وفي ليلة وفاته -رحمه الله- جاء لزيارة سمو الأمير خالد الفيصل، وكنت جالساً عند الأمير -حفظه الله-، وكان يبدو عليه التعب والإعياء -رحمه الله-، حتى أن الأمير خالد وابنه سمو الأمير بندر أشارا إليه بالذهاب إلى المستشفى، وكأنه جاء مودعاً لجلسة الأمير ومن فيها، والذين قضى معهم معظم أوقاته. رحم الله الأستاذ أحمد الحمدان رحمة واسعة، وعوض الله الوطن وسمو الأمير خالد وعائلته وأصدقاءه في فقيد الإنسانية والوطن، وجعله في جنان الخلد مع الشهداء والصالحين، إنا لله وإنا اليه راجعون.