كلٌ منا يحبها بطريقته، ويتناولها حسب حالته، فالشوكولاتة لطيفة جدًا، تتناسب مع كل حال، السعيد تزيد سعادته، الحزين تطبطب على قلبه، والمتوتر تحتوي شعوره فيهدأ، لذلك هي رفيقة للفرح، الحزن والتوتر، الشوكولاتة رفيق صالح يفهمك، ويعرف ماذا تحتاج هذه اللحظة تحديدًا! من أين أتت الشوكولاتة، متى عرفها الإنسان؟ فأبونا آدم لم يهدها لأمنا حواء تعبيرًا عن حبه لها، لكن بنوه فعلوا ذلك. الشوكولاتة رمز السعادة والحب، عرفتها البشرية قبل 4000 عام، بداية من أمريكا الوسطى حيث قبائل المايا، كانوا يستخدمونها مشروبًا ساخنًا، ومن هنا جاء اسمها، فهي تتكون من شقين «شوكول» (chokol) وتعني بلغة المايا ساخن، و(atl) وتعني شراب. في موقع أثري قرب ساحل ولاية فيراكروز في المكسيك، عُثر على إناء يعود تاريخه إلى حوالي 1750 سنة قبل الميلاد، عليه نقوش تظهر كيف كانوا يحضرون الشوكولاتة. وبينت الوثائق أن قبائل المايا كانت تزرع أشجار الكاكاو في ساحات منازلها، لكثرة استخدامهم مشروب الشوكولاتة أو (شراب الشوكولاتل) في مناسباتهم وحياتهم اليومية. بعد سيطرة (الآزتك) على أجزاء كبيرة من أمريكا الوسطى، أصبحت الشوكولاتة جزءًا من ثقافتهم، ومن مفهومهم الديني، لكنهم ليسوا كسابقيهم، فكانوا يفضلونها باردة. لم تكن زراعة الكاكاو لديهم بسهولة زراعتها من قبل، لبعد مساكنهم، لذلك عدت الشوكولاتة من مظاهر الرفاهية فاستخدمها علية القوم وسادتهم، ولارتفاع ثمنها، استخدمت حبوب الكاكاو عملة نقدية في ذلك العهد. ظلت الشوكولاتة حبيسة القارة الأمريكية حتى رحلة كولمبوس، الذي أخرجها لإسبانيا ومنها انتشرت إلى أوروبا كلها. لم تعد شرابًا مرًا، تغيرت مع الوقت، أضيف إليها السكر والعسل، واُعتبر شراب الشوكولاتة أحد المقويات واُستخدم كمنشط جنسي يُباع في الصيدليات بداية القرن التاسع عشر. وتحولت الشوكولاتة من مشروب إلى قطع صلبة، بفضل الكيميائي الهولندي كونراد يوهانيس فان هوتن، ما ساهم بانتشارها في كل أنحاء العالم، فوقعت في حبها الشعوب. لم تعد القارة الأمريكية هي مصدر الشوكولاتة الأكبر في العالم، فحوالي ثلثي الإنتاج العالمي من الكاكاو مصدره غرب إفريقيا ومعظمه من ساحل العاج. ازدهرت تجارة الشوكولاتة، وتطورت وأضيف إليها الحليب، وتعددت نكهاتها ومكوناتها، فهذه بنكهة القهوة، وتلك محشوة بالمكسرات، وبالكراميل، التوفي أو البسكويت. بلغت نسبة عشاق الشوكولاتة96 % حول العالم، ولا عجب في ذلك، إنما العجب في مقاومة ال 4 %للذتها. تتصدر ألمانيا قائمة أكثر البلدان المستهلكة للشوكولاتة، حيث يبلغ معدل استهلاك الفرد نحو 11 كلجم في السنة، تليها بلجيكا بمعدل سنوي يبلغ 10.9 كلجم للفرد، الغريب أن قائمة البلدان الأكثر استهلاكًا للشوكولاتة مختلفة عن قائمة البلدان الأكثر سمنة في العالم! وكأن الشوكولاتة ليست هي المتهمة الوحيدة في قضية السمنة، بل هناك عوامل أخرى. الشوكولاتة ليست سيئة إذا ما أحسنا انتقاءها، وقننا استهلاكها، بل لها آثار صحية جيدة، فهي تُحسن المزاج، تقوي الذاكرة وتقلل من مظاهر الزهايمر، لاحتوائها على مادة (الثيوبرومين) المنبهة، والمحفزة للذهن، مادة (التريبتوفان) في الشوكولاتة ترفع معدل هرمون السعادة (السيروتونين)، ومادة (الفينيثيلامين)، تشعرنا بالراحة فيقل الإحساس بالألم، وكأن للشوكولاتة القدرة على احتواء أحاسيسنا كيفما كانت لنكون بخير. قد تفوق كميات السكر والدهون الموجودة في الشوكولاتة بعض الفوائد الصحية لها، لكن كلما ازدادت نسبة الكاكاو كلما زادت فوائدها، على ألا يقل تركيزه عن 70%، فمن شأن ذلك تأخير الشيخوخة، والحفاظ على مستوى ضغط الدم وسلامة القلب والشرايين، وقد تساهم أيضًا في منع الإصابة بالسرطان والجلطات الدماغية، لأن لها مميزات مضادة للأكسدة. لكن من قال إن تناول الشوكولاتة يزيد من مشاكل البشرة! فمادة (الفلانونل) تحمي البشرة من أضرار أشعة الشمس وترطبها، الأمر كله مرتبط بتركيز مادة الكاكاو فكلما ارتفعت أصبحت الشوكولاتة مفيدة. حينما تختار شوكولاتة العيد، ابحث في مكوناتها، عن تركيز الحليب فيها، لا تشتري الشوكولاتة البيضاء لأنها تخلو من الكاكاو المفيد. الشوكولاتة الجيدة هي مزيج من مسحوق الكاكاو الخام وزبدة الكاكاو والسكر، وإن أضيف الحليب إليها تحولت إلى شوكولاتة بالحليب شرط ألا تقل نسبة كتلة الحليب عن 12%، وفق تصنيف إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. استمتع بالعيد مع الشوكولاتة الصحية، ودلل حواسك وكل عام وأنتم بخير.