في يوم النمر العربي    دور القيم في التنمية الاقتصادية    نفوذ القائد.. سلاح أقوى من الأوامر    تمكين للتقنيات تختتم مشاركتها في ليب 2025    الشاعرة الشعبية وجيمس بيكر..!    الرئيس ترمب.. لا تخسر أصدقاءك وحلفاءك!    سبل المساءلة عن الجرائم الدولية: خيارات العدالة بعد الأسد    لا صوت يعلو في جدة على صوت المحركات    «دوران النصر» يطيح الأهلي    ألبرتو لونغو: تطور المملكة آخر 6 سنوات مذهل    عطني المحبة كل المحبة.. عطني الحياة..!    القوة الجبرية للمتغيب عن جلسات القضايا الزوجية    قسم الاعلام بجامعة الملك سعود يقيم فعالية الاعلام والحرف اليدوية،    الدفاع المدني ينبّه: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    زيلنسكي: لن نقبل بأي مفاوضات حول أوكرانيا دون مشاركتنا    بحضور وزير الثقافة... هيئة التراث و"الإيسيسكو" توقعان برنامجًا تنفيذيًا    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تطلق المرحلة الثانية من إستراتيجية البحث العلمي والابتكار    ديوانية القلم الذهبي تعقد أولى جلساتها النقاشية بحضور مجموعة متميزة من الأدباء والمثقفين    وزير الدفاع الأميركي: لا يمكن العودة إلى حدود أوكرانيا لما قبل 2014    مدير الأمن العام يدشن مركز المراقبة الميداني بالإدارة العامة لدوريات الأمن    الأخضر السعودي يدشن مشاركته بالفوز على الأردن في كأس آسيا تحت 20 عاماً    عسير: القبض على مخالف لتهريبه 49350 قرصاً خاضعاً لتنظيم التداول الطبي    بتوجيه من ولي العهد.. استحداث إدارة عامة للأمن المجتمعي ومكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص ترتبط بالأمن العام    «حرس الحدود» بعسير ينقذ مواطنيْن من الغرق أثناء ممارسة السباحة    أكثر من 949 مليار ريال الودائع الادخارية والزمنية بنهاية عام 2024م لتبلغ قمّتها    سعود بن نهار يطلع على أعمال فريق تهيئة وسط البلد    شراكة استراتيجية بين مجموعة فقيه للرعاية الصحية وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار لدعم الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية    حجم استثمارات البنية التحتية المتوقعة تصل إلى حوالي تريليون دولار    "رمز أحمر" ب"مركزي القطيف" يخلي 10 أقسام والدفاع المدني يسيطر على الحريق    المالية وصندوق النقد الدولي يستعدان لإطلاق مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تطلق مشروع «الحي الإبداعي»    رئيس الوزراء المصري: نبذل جهوداً لتنفيذ بنود وقف إطلاق النار في غزة    مدير عام تعليم مكة يدشّن المعرض الفني واحتفالية يوم التأسيس    إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    تدشين الأعمال التطوعية في المسجد الحرام    انطلاق مؤتمر القصيم السابع للسكري والغدد الصماء بمشاركة نخبة من الخبراء    أمير نجران يُكرِّم مدير فرع المجاهدين بالمنطقة سابقًا    وزير الثقافة يلتقي وزيرة الفنون والثقافة والاقتصاد الإبداعي النيجيرية    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية "إطعام"    برنامج "أمل" السعودي في سوريا.. ملحمة إنسانية ونبض حياة    أمير الأحساء يكرم الفائزين بجائزة تميز خدمة ضيوف الرحمن    بيلينغهام: الريال حقق فوزاً مستحقاً في ملعب السيتي    «كلاسيكو» الخميس يجمع الأهلي بالنصر    4 حالات لاسترداد قيمة حجز حجاج الداخل    التعاون يتعادل مع الوكرة القطري في ذهاب ثمن نهائي أبطال آسيا    منطلق حوار للحد من تفشي الطلاق    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    الحلم النبيل.. استمرار للمشروع السعودي    السعودية" أرجوان عمار" تتوج برالي أبوظبي باها 2025    5 خرافات عن العلاج بالإشعاع    إعلاميو "الأوفياء" يطمئنون على الحداد    أمريكية تعتصم أمام منزل خطيبها الباكستاني    نادية العتيبي سعيدة بالتكريم    والدة إلياس في ذمة الله    أوبك تثبت توقعاتها حول الطلب على النفط    الاحتلال في الجنوب والسلاح المنفلت يهددان استقرار البلاد.. سيادة الدولة.. أولوية الإدارة اللبنانية الجديدة    تعب التعب    مملكة الأمن والأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل في مواجهة وحدة الساحات وتوازن الردع
نشر في الوطن يوم 09 - 04 - 2023

الطرفان لا يريدان الحرب... هذا ما أعلنته قوات حفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل) بعد تواصلها معهما لدعوتهما إلى «ضبط النفس». وهذه الصواريخ والقذائف المتطايرة بين الجنوب وشمال إسرائيل ماذا تسمى؟ مجرد «معركة بين الحروب»، مثل التبادلات النارية من قطاع غزة وإليه، والضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية في سوريا. أما الطرفان المعنيان بالنسبة إلى لبنان فهما: إيران (عبر وكيلها «حزب الله»)، وإسرائيل التي أصبحت في مواجهة مع وكلاء ذلك الوكيل- الفصائل الفلسطينية المسيطرة على قطاع غزة والمخترقة الضفة الغربية. أي أن «حزب إيران» بات يخوض بدوره «حرباً بالوكالة» لا تكلفه أكثر من تزويد حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بعض الصواريخ التقليدية وتحديد ثغرة جغرافية يمكنهما التحرك فيها لإطلاق «رسائله الى العدو».
اللافت أن هذا العدو ارتضى اللعبة والتزمها ولا يحاول الإخلال بقواعدها، بل إنه يبعث برسائل إلى «حزب إيران»، عبر قنوات الأمم المتحدة ومنها إلى الحكومة اللبنانية، تبلغه فيها أنها ستضرب وكلاءه وعليه أن يبقى خارج الصورة كما لو أن الأمر لا يعنيه. وإذ توعد الأمين العام ل«الحزب» بالرد «قطعاً وسريعاً» على أي اعتداء، فإن الجانب الإسرائيلي يعرف مسبقاً أن رده سيكون على «أماكن مفتوحة» لا أهداف فيها. وهكذا يكون الطرفان متفقين ضمنياً على حدود أي تصعيد. وفيما يعرف «محور الممانعة/ المقاومة» هذا الوضع بأنه «معادلة ردع» استطاع إقامتها وأجبر العدو على عدم تخطيها مهما استُفز، فإن إسرائيل تلتزم «عدم الانجرار إلى مواجهة إقليمية» فيما هي تبحث عن استكمال التطبيع مع الحكومات العربية. وإذ يرفض المتطرفون في حكومتها هذه المعادلة فإنهم لا يصرون آنياً على تجاوزها ويفضلون متابعة أولويات تمكينهم من السلطة. لكن هذه الأجندة الداخلية، تحديداً، باتت تشكل حافزاً ل«محور الممانعة/ المقاومة».
ففي التركيز على المسجد الأقصى، خصوصاً في شهر رمضان، ينخرط الطرفان في سباق مغالبة دينية يخوضه «المحور» مستغلاً رمزية الظرف الرمضاني واندفاع الإسرائيليين إلى العنف المفرط والتنكيل بالمصلين والمعتكفين. ومع أن الممارسات الإسرائيلية تتسم بغباء مشهود إلا أنها تحقق بعض الغايات، وأهمها تكرار الاقتحامات والاعتداءات والإساءات والاستفزازات، اليومية والمتعمدة، لتفرض بقوة الاحتلال والسلاح على الفلسطينيين، وعلى الرأي العام الدولي أيضاً، بما فيه العربي والإسلامي، قبول «السيادة الإسرائيلية» على كل الأماكن المقدسة في القدس وغيرها، كذلك قبول «أحقية» يهودية في المسجد الأقصى ك«جزء من جبل الهيكل» المزعوم، وبالتالي فرض تقاسم المسجد مكانياً وزمانياً بين اليهود والمسلمين. لكن «منظمة التعاون الإسلامي» رفضت في اجتماعها الطارئ المس بالهوية العربية والإسلامية للقدس الشرقية، مؤكدة أن الاحتلال الإسرائيلي «ليست له أي سيادة على أي جزء من المسجد الأقصى».
في أي حال، ليس بهذه الممارسات تستطيع إسرائيل إثبات أي حق لها في الأقصى أو في أي أماكن مقدسة أخرى، بل إن مشهد جنودها وهم يقتحمون المسجد بالقنابل المسيلة للدموع ويكسرون صلاة المصلين، يؤكد العكس تماماً وهو عدم أهلية إسرائيل لممارسة أي «شرعية» أو «سيادة» على ذلك المكان. في المقابل، ليس بالدفع نحو «حرب دينية» يمكن إيران أن تحقق أي هيمنة على العرب والمسلمين، إذ إنها، على العكس أيضاً، وعن قصد أو غير قصد، تستخدم القدس والأقصى في معركة نفوذها، وتقدم لإسرائيل الذرائع التي تحتاج إليها لمواصلة نهجها الوحشي. لكن أمرين أسهما في منح إسرائيل وإيران هذا الاستفراد بالصراع على فلسطين: الأول، أن «وساطة» الولايات المتحدة فشلت بعدما افتقدت كل نزاهة في إدارة الصراع ودفعت بمشروع السلام إلى التيه. والآخر، أن العرب انكفؤوا فعلياً عما يسمونه قضيتهم «المركزية»، ولم يعودوا يملكون خيار الحرب ولا التأثير في خيار السلام.
القدس والأقصى أصبحا واقعياً محور صراع إسرائيلي- إيراني. كلا الطرفين يبلغ ما يريده بطريقتين متماهيتين. كلاهما يعول على الانقسام الفلسطيني، الذي أسهمت فيه إسرائيل واعتبرته مصلحة استراتيجية لها، إذ إنه سلحها بحجة عدم وجود طرف/ «شريك» فلسطيني يمكن التفاوض معه على «تسوية» ما، وبالتالي فإن «الحل» الوحيد الذي يعتقد الإسرائيليون أنه متاح هو بضم الضفة الغربية (صياغة جديدة للاحتلال والسعي إلى «شرعنته» استناداً إلى فتوى بتسلئيل سموتريتش الواهمة بعدم وجود «شعب فلسطيني») وإبقاء قطاع غزة معزولاً ومحاصراً (منطقة خارج أي نظام إقليمي أو دولي مصيرها أن يعاد احتلالها إسرائيلياً أو توضع تحت وصاية عربية). ومن جانبها كانت لإيران مساهمتها أيضاً في الانقسام الفلسطيني، وقد أمعنت في تعميقه متسلحة بحجة أن «السلام» كان مجرد «خدعة» إسرائيلية- أمريكية لإدامة الاحتلال، وهو ما أثبتته الوقائع طوال عقدين ونيف، وبالتالي فإن «الحل البديل» يكون باستنهاض «المقاومة»، وبعدما افتقدت المقاومة الدعم العربي بالسلاح انبرت إيران لتعويض هذا النقص بكل وسيلة متاحة وأصبحت صاحبة القرار في سوريا ولبنان وغزة، كما زرعت بنى مسلحة تتحدى بها إسرائيل وتشاركها في إضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة.
لم يعد في إمكان إسرائيل أن تتجاهل ما يدعيه «محور الممانعة/ المقاومة»، إذ كانت أخرجت المقاومة الفلسطينية من حساباتها، واستخدمت «خدعة السلام» لتكريس الاحتلال والتحكم بالشعب الفلسطيني وأراضيه، ووظّفت الانقسام الفلسطيني لشطب القضية الفلسطينية من برامج حكوماتها، لكنها لم تحصل على التأييد الدولي (غير الأمريكي) لإلغاء هذه القضية واستبدالها ب «قضية» أخرى ضد امتلاك إيران السلاح النووي. غير أن الواقع على الأرض يشهد بأن إيران نجحت في إقامة «ساحات» عدة لإشغال إسرائيل وتفعيل الصراع معها، بدليل صواريخ غزة وجنوب لبنان والكتائب المسلحة في الضفة والسيطرة المباشرة على جبهة الجولان والعمل على بناء منظومة دفاع جوي مضاد للضربات الإسرائيلية في سوريا.
على رغم التشكيك المشروع في أن هذه التحركات تهدف إلى تعزيز هيمنة «المشروع الإيراني» في نهاية المطاف وليس إلى نصرة فلسطين وشعبها، أو أي شعب آخر، إلا أن حصيلة عمل أربعة عقود أتاحت ل«المحور» القول أخيراً إنه حقق أمرين: «وحدة الساحات» و«توازن الردع». ما يؤكد ذلك ليس خطاب التحدي لجماعة «الممانعة»، بل النقاش الدائر على المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، انطلاقاً من أن قوة السلاح متوفرة ولم تفقد شيئاً من تفوّقها لكن خيار الحرب أصبح أكثر صعوبة، أما الأهم فهو ما يردده ساسة إسرائيل عن «ضرورة استعادة الردع»، ولعل الشيء الوحيد الذي لا يفكرون فيه هو ما قيل لهم سابقاً عن أن «السلام وحده يضمن أمن إسرائيل».
* ينشر بالتزامن مع النهار العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.