على الرغم من الجهد الذي تحاول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين القيام به تجاه اللاجئين السوريين الذين يتدفقون كل يوم إلى الأردن، إلا أن مخيم الزعتري الكبير الذي أنشأته لم يعد يستطيع أن يقدم لهم الخدمات التي ينتظرونها، مما جعل كثيراً من اللاجئين يفضلون العودة إلى سورية، بكل ما فيها من خطر يصل إلى حد الموت، على البقاء في هذا المخيم. البحث عن الحلول أمام هذا الواقع الذي يعاني منه اللاجئون السوريون، بدأ صبرهم ينفد وهم ينتظرون من ينتشلهم من ذلك، مما تسبب في عدة مواجهات بينهم وبين المسؤولين عن المخيم، الأمر الذي استدعى تدخل قوات الأمن الأردني في أكثر من مواجهة تبدأ بمسيرات احتجاج وتنتهي بالاشتباك مع مسؤولي أمن المخيم. وإزاء ذلك، ينتظر المخيم العديد من الإصلاحات التي بدأ العمل فيها بالفعل، ومن ذلك استبدال الخيام بمساكن جاهزة، إضافة إلى بناء دورات مياه إضافية، ومحاولة علاج أرض المخيم الترابية بتعبيدها لتخفيف الغبار المتطاير. بقعة جرداء على بعد نحو 80 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة الأردنية عمان يقع مخيم الزعتري، حيث أقيم في منطقة صحراوية جرداء أرضها عبارة عن "قاع" سرعان ما تتحول مع السير عليها إلى تربة متطايرة، مشكلة غبارا كثيفا يصعب السيطرة عليه. وقامت المفوضية ببناء مئات الخيام الصغيرة بمساحة 6 أمتار مربعة، لتستوعب كل خيمة عائلة واحدة، مع عدد قليل من دورات المياه المتنقلة، التي وضعت في أماكن متباعدة داخل المخيم، حيث يضطر الشخص إلى المسير مسافات طويلة للوصول إلى دورة مياه. الأمر كذلك بالنسبة للمياه الخاصة بالشرب غير المبردة، بسبب غياب الكهرباء، فيضطر اللاجئون إلى استخدام "أواني الفخار" لتبريد المياه ليتمكنوا من شربها. العودة أهون من البقاء ويتحدث فواز الأحمد وهو نازح من درعا، بألم عن حياتهم في المخيم، ويقول: "وصلنا منذ بضعة أيام عبر الحدود بمساعدة الجيش الحر الذي أمن نقلنا إلى الحدود الأردنية، حيث استقبلنا الجيش الأردني بمحبة واهتمام، وبعد إنهاء بعض الإجراءات الأمنية تم نقلنا إلى هذا المخيم، حيث فوجئنا بغياب أدنى الخدمات، فلا ماء باردا ولا كهرباء ولا دورات مياه كافية". ويضيف الأحمد أن مسؤولي المخيم سلموهم خيمة صغيرة تتحول إلى دوامة من الغبار مع كل نسمة هواء بسبب نوعية الأرض التي أقيم عليها المخيم، مؤكداً أن كثيراً من اللاجئين أصيبوا بأمراض صدرية بسبب الغبار المستمر خصوصاً الأطفال أو من يعانون من أمراض الربو والحساسية. ويصف الأحمد حالهم في المخيم بأنها "مأساوية"، مفضلاً العودة إلى سورية بكل ما فيها من خطر على الحياة في مثل هذا المكان. وذكر الأحمد أنهم ممنوعون من المغادرة إلا بوجود كفيل أردني، وعندما يطلبون شراء أكل من الخارج لا يجدون من يلبي طلبهم. الأطفال أكثر المتضررين "الوطن" قامت بجولة داخل الخيام الصغيرة والتقت بعض العائلات هناك، وأجمعوا على أن مشكلتهم الرئيسة هي في الغبار الذي يتسلل إلى داخل خيامهم، خصوصاً في أوقات النهار، ولا يجدون أي وسيلة لحماية صغارهم منه، مما تسبب لهم في مضاعفات صحية. وقال أحد اللاجئين: "طفلتي الصغيرة لم تتجاوز الأربعة أشهر، ولا نعرف كيف نحميها من هذه الأجواء الملوثة، فخيامنا الصغيرة لا تصد هذا الغبار، وتتحول في ساعات الظهر إلى أفران بسبب شدة الحرارة وعدم وجود كهرباء أو أي وسائل تبريد". مخيم أم معتقل ويلتقط الحديث لاجئ آخر من درعا، ويتحدث عن الإجراءات التي تتم داخل المخيم من حيث منعهم من المغادرة، ويقول "نشعر وكأننا في معتقل حيث نمنع من الخروج إلا بوجود كفيل أردني، حتى ولو كان الخروج لشراء بعض الحاجيات التي نحتاجها". وكان خالد العايض (إعلامي سعودي) روى سابقاً ما حصل معه أثناء وجوده في المخيم حيث لجأت إليه إحدى الأمهات لمساعدتها في الحصول على تصريح للخروج من المخيم وزيارة ابنها المنوم في مستشفى الملك عبدالله بالمفرق، ومحاولته الاعتذار منها لكونه لا يملك الصلاحية في هذا الأمر، إلا أنها أصرت عليه بمساعدتها في إقناع المسؤولين عن المخيم للسماح لها بالخروج. وذكر العايض أنه توجه برفقتها إلى مكتب المسؤولين بالمخيم وطلب منهم مساعدتها بشكل إنساني لكي تزور ابنها المريض، وأثناء النقاش معهم أتى أحد أقرباء المرأة مهرولاً لينقل إليها خبر وفاة ابنها، حيث صدمت المرأة ولم تتمالك نفسها وسقطت على الأرض باكية فيما أعلن حينها أحد المسؤولين بالمخيم الموافقة على خروجها لدفن ابنها. اعتراف بسوء الأوضاع ممثل مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين أندرو هاربر اعترف بصعوبة وضع اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري، وقال إنهم يتطلعون إلى دعم الدول المانحة بما فيها المملكة العربية السعودية لتحسين هذا الوضع، مؤكداً أن الشعب السوري يستحق ما هو أفضل. كما أكد مدير التعاون والعلاقات الدولية بالمفوضية علي بيبي، في حديثه إلى "الوطن" سوء أحوال المخيم، وصعوبة الحياة فيه، عازياً ذلك إلى قلة الأماكن المتوفرة للمفوضية، ومشيراً إلى أن الخيام لا تصلح في هذه البيئة الصحراوية. وقال بيبي إن العمل جار لاستبدال الخيام بمساكن جاهزة، إلا أن ذلك يحتاج إلى دعم كبير من قبل المانحين. السعودية تتبنى المشروع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة أكد في حديث سابق السعي لتحسين وضع المخيم واستبدال الخيام بمساكن جاهزة؛ معلقاً ذلك بدعم الدول المانحة، ومبيناً أن هناك التزاما بتوفير 80 مسكنا جاهزا حالياً، لتأتي المبادرة السعودية من خلال توجيه وزير الداخلية رئيس الحملة الوطنية السعودية لنصرة الأشقاء في سورية صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز بتوفير 2500 مسكن جاهز للاجئين السوريين. وأكد مدير التنسيق للحملة يوسف الرحمة أن العمل قد بدأ بالفعل في تجهيز هذه المساكن، حيث من المتوقع أن تكون جاهزة خلال الشهر القادم. كما أكد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الأردن فهد بن عبدالمحسن الزيد ل"الوطن" أن تلك المساكن الجاهزة قد تنقل فيما بعد مع اللاجئين السورين عند عودتهم إلى ديارهم لاستخدامها حتى تتم إعادة إعمار منازلهم المتضررة في سورية. الحملة السعودية تخفف المأساة كان للحملة السعودية لنصرة الأشقاء السوريين، أثرها البالغ في تخفيف مأساة اللاجئين، حيث عبر كثير منهم عن فرحتهم الغامرة وهم يرون السيارات التي تحمل شعار السعودية تدخل إلى المخيم وتبدأ في توزيع المواد الغذائية المتنوعة والمياه المعدنية بوفرة على الجميع. وأكد مدير التعاون والعلاقات الدولية بالمفوضية علي بيبي أن الزخم الكبير للحملة السعودية كان له أثره البالغ في مساندة أعمال المفوضية للاجئين. وقال إن الدعم السعودي غير مستغرب، فيما أكد مدير التنسيق والمتابعة للحملة السعودية يوسف الرحمة أن ما تم توزيعه يشكل الدفعة الأولى من المساعدات السعودية عبر 43 شاحنة محملة بمواد غذائية منوعة. وقال الرحمة: "وزعنا بشكل عاجل حمولة 9 شاحنات من المواد الغذائية المنوعة، وسيتم توزيع بقية الحملة حسب الاحتياج"، مؤكداً أن الحملة بدأت أيضاً بتوزيع سلال خاصة للأسرة والطفل وحقائب صحية، مشيراً إلى أن التوزيع لم يقتصر على مخيم الزعتري بل تجاوزه إلى المخيمات الأخرى، وكذلك إلى اللاجئين المقيمين في المنازل داخل المحافظات الأردنية.