تمر الحدود اللبنانية السورية حالياً بمراحل خطيرة، وتشير معلومات إلى أن الفيلق العاشر الذي كان يقوده ماهر الأسد ينتشر على الحدود الشرقية للبنان، واتخذ من بعض القرى السورية الحدودية مراكز قتالية له في قلعة جندل ورخلة وقطنة، ورأس العين وديماس والصبورة، ووسع من دائرة انتشاره ومواقعه وتحصيناته داخل الأراضي اللبنانية الجبلية في خراج بلدات كفر قوق وعيحا ودير العشاير وحلوى. تحركات الآليات العسكرية والمدرعة السورية شوهدت في أكثر من موقع سوري، إذ زادت هذه التحصينات في المنطقة الجبلية الحدودية الواقعة في قطاع وادي بكا ووادي منصيا، وتعزيز التمركز في المنطقة المسماة "طلعة الفقيس" و"مراح السلام عليه" و"مراح جانبيه" وهي أراضٍ لبنانية شبه سهلية وواسعة قريبة من الحدود السورية، كان يزرعها الفلاحون اللبنانيون بالحبوب، يقع شمالها وادي بكا ووادي منصيا، وتتصل شمالا بحلوى ووادي القرن، واقتطعت تلك القوات مساحات واسعة في جبال دير العشاير قدرت بأكثر من 15 ألف دنم في منطقة شعيا والقيشونة وجبل المزار وفي بوابات الحور والسهل الغربي للدير، فضلا عن توغلها في قسم كبير من أراضي حلوى التي تتقاسمها مع المنظمات الفلسطينية المتحصنة في تلك الأراضي وفي وادي بكا ووادي القرن، حيث تنتشر عناصر ما يعرف بألوية جيش التحرير الفلسطيني، وفي المواقع التي كان يشغلها سابقاً حزب العمال الكردستاني، الذي كان يتزعمه عبدالله أوجلان. العناصر الفلسطينية المسلحة التابعة للقيادة العامة، مستنفرة بشكل دائم، لذلك فهي تعزِّز مواقعها بالأسلحة الصاروخية والرشاشات الثقيلة والمتوسطة، وتركِّز بطاريات مدافع الهاون من عيارات مختلفة، وتنقل ذخيرتها من مخازن خلفية موجودة في المواقع العسكرية المحصَّنة، بالقرب من بلدة حلوى. مثل هذه التحركات ليست جديدة، فمنذ اندلاع الثورة في سورية في أواخر أبريل من العام الماضي اندلعت معها الخروقات والتجاوزات من قبل النظام السوري. الخطر على الأهالي ويؤكد عضو بلدية تربل صبحي حشيتو، أن هناك خطراً على الأهالي على الحدود من قبل الجبهة الشعبية، القيادة العامة والمدعومة من سورية، فهم يقولون إن هناك نفقاً يمتد من قوسايا إلى الحدود السورية وهو عبارة عن خط عسكري، وحسبما سمعت أنه وقعت هناك عدة انفجارات، وأوضح أن "الأراضي يملكها مواطنون لبنانيون (في بلدة قوسايا) ويحرّم عليهم أن يطؤوا ثراها، وهي بحدود 5 إلى 10 كيلومترات مربعة. وكانت سابقاً مراعي للمواشي. أما اليوم فممنوع على أي مواطن أو راع أن يقترب منها لأي سبب، وإلا قتلوه". وأضاف "في عهد الوصاية السورية وبعد عام 2005 (تحديداً بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري) كثرت هذه الأنفاق بين لبنان وسورية وارتفع عدد العسكريين في الجبهة الشعبية، ومنذ فترة بسيطة وقع خلاف بين عناصر من الجبهة وأهالي قريتي الفاعور وكفر زبد، وأخذوا يتراشقون بالصواريخ والرشاشات المضادة للطيران من قوسايا إلى مناطقنا، وهذا بدعم من الجيش السوري. لذلك لا نستطيع معرفة عدد العناصر الموجودين في قوسايا لأنهم مرتبطون بالجبهة الشعبية والسوريين، وهم لا يتنقلون في الأراضي اللبنانية كعناصر حزبية، لأن الجيش اللبناني يحول دون تحركاتهم بشكل مكشوف والجيش يقيم الحواجز، ولكن في قرية الفاعور يمرّ العديد منهم بلباسٍ مدني ويمرون بالقرب من حواجز الجيش بشكلٍ عادي ولكن من دون سلاح. كما أنهم يحصلون على حاجاتهم من غذاء وملابس وعتاد من الجهة السورية، ويتصرفون وكأنهم في سورية ولكن على الأراضي اللبنانية". وأضاف حشيتو، "أن أهالي المنطقة يتعاطون مع الموضوع بشكل عادي جداً، لأنه ليس هناك حل آخر أمامهم، ومع أنهم أوكلوا أمور أمنهم واستقرارهم للجيش اللبناني، لا يستطيع أن يضبط تحركات هذه العناصر وتجاوزاتها، لأنهم يستطيعون الهرب عبر الوديان قبل الوصول إلى حاجز الجيش اللبناني". مناطق مغلقة وعن دور الفاعليات الحزبية والسياسية، يقول "ممنوع على أحد الصعود إلى هؤلاء أو المرور قرب أماكن تواجدهم، فهم يشكلون بحد ذاتهم منطقة عسكرية بحتة، والجبهة الشعبية مدعومة من جماعة "حزب الله" وحركة "أمل" وسورية، ولو أن عناصرهم لا يوجدون بشكل ملموس إلا أنهم يتلقون الدعم اللازم". وأكد أنه ممنوع على الأهالي من (بلدة قوسايا) الوصول إلى الجهة الغربيةوالشرقية للبلدة أيضاً بسبب وجود مواقع للجبهة الشعبية. وهم بالتالي لا يستطيعون الزراعة ولا تربية المواشي. ونفس هذا الوضع ينطبق على بلدة الفاعور، وقد حاولت إسرائيل ضرب مواقعهم سابقاً ولم تصبهم، لأنهم يوجدون داخل أنفاق، مشيراً إلى أن الإعلام لا يستطيع نقل الواقع كما هو لأنه ممنوع عليهم دخول هذه المناطق". وأكد أنه "في حال تم ترسيم الحدود، فإن ملكية هذه الأرض ستعود لنا لأنهم أصلاً محتلون أراضي من بلداتنا". وعن طبيعة المشكلة مع سورية، قال "إنها ليست كبيرة لأن الأراضي مكشوفة على الجيش والمنطقة واضحة، ولا يمكن دخول سيارات تحمل أسلحة أو أي أشياء أخرى مهرّبة. ولكن على العموم فإن الوضع في هذه البلدة أفضل مما هو عليه في بلدة عرسال". "الخاصرة الرخوة" وبدوره يرى النائب أنطوان سعد، أن التعديات السورية على الحدود هي انتهاك للسيادة اللبنانية، وهي تعديل حدودي من جانب السلطات السورية، وعدم اعتراف بالكيان اللبناني والجمهورية اللبنانية، ويقول "القوات السورية ترى أن تحركها الحدودي هو تحرك بمحاذاة إقليم سوري أو محافظة سورية تدعى لبنان، وهو تعدٍ على خط الحدود لتغيير معالم الأراضي اللبنانية، إضافة إلى إنشاء قواعد عسكرية متقدمة داخل الحدود. وتعزيز المواقع الفلسطينية في باب توتير، والمقصود من كل هذه الإجراءات ببساطة هو عدم الاستقرار في لبنان، بهدف إرباك جيشه وحكومته". ورفض سعد أن يكون لبنان "الخاصرة الرخوة" بالنسبة لسورية، ويرى في هذه التسمية أكذوبة كبرى وخدعة عمرها عشرات السنين روج لها النظام السوري وعممها على أتباعه داخل الساحة اللبنانية، لأن لبنان لم يكن يوماً خاصرة ضعيفة لسورية، والدليل القاطع أنه أنجز تحرير أرضه باستثناء إشكالية مزارع شبعا التي ما زالت عالقة، في حين أن الجولان السوري محتل ولم تطلق رصاصة واحدة بوجه العدو الإسرائيلي منذ العام 1973 في تلك الجبهة بأمر من النظام السوري الذي يشكل حرس حدود لإسرائيل، فضلاً عن ذلك لم يستطع هذا النظام الذي يدعي القوة العسكرية من منع العدو الإسرائيلي من اجتياح لبنان". مواجهة المعتدين وطالب سعد بتعزيز "القوى الأمنية اللبنانية بالرجال والعتاد الحديث والمتطور وتزويدها بأجهزة رصد متطورة ورادارات اتصال ومراقبة وغيرها واستحداث جهاز استعلام خاص لمراقبة الحدود وضبط العبور غير الشرعي. وطلب من الأممالمتحدة مساعدة لبنان لضبط الحدود والسيطرة عليها براً وجواً والضغط على سورية لرسم الحدود وتحديدها لمنع التعديات السورية، وقال "يمكن تعزيز القوى الأمنية اللبنانية بقوات تابعة للأمم المتحدة بعد التأكد من اعتداء طرف على آخر، وقد أثبتت الحكومة اللبنانية حدوث كثير من الاعتداءات السورية في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة وأعتقد أن الأممالمتحدة لديها الإثباتات الأكيدة عن تلك الاعتداءات السورية على لبنان". أما عن التعزيزات الفلسطينية للعناصر الموالية لدمشق فيقول سعد "من يريد تحرير فلسطين لا يحررها من قوسايا ومن الوادي الأسود ومن وادي بكا ووادي القرن ومن الناعمة وحلوى، هذه التنظيمات ميليشيا يقودها النظام المخابراتي السوري لتخريب الوضع الداخلي في لبنان. وفي كل يوم يتم تهريب السلاح عبر الحدود المفتوحة من الأراضي السورية إلى الجنوب وإلى الموالين للنظام الأسدي من تنظيمات وعناصر وأحزاب موالية واستحدثوا اليوم بدعة جديدة أسموها سرايا المقاومة ليشرعوا السلاح إذا ضبط مع عناصرهم، وحزب الله يستغل ما ورد في البيان الوزاري، ليس لمحاربة إسرائيل فحسب، بل للداخل من أجل تسليح جماعاتهم ومؤيديهم". انفلات أمني إلى ذلك يرى عضو كتلة "المستقبل" النائب زياد القادري أن مشكلات الحدود كثيرة، ولا يمكن حصرها، ويقول "أبرز هذه المشكلات هي ما تشهده الحدود من انفلات أمني يجعل القرى الملاصقة للحدود عرضة للاستباحة من قبل الجنود السوريين في أي وقت، أضف إلى ذلك عمليات التهريب على اختلاف أنواعها، والتي يُسهلها ضباط وأفراد في الجيش السوري مقابل مصالح مادية. هناك العديد من المعابر غير الشرعية على طول الحدود، وأبرزها في حلوى ودير العشائر، ولو كانت السلطات المختصة تقوم بواجبها لما كان الانفلات الأمني هو سيد الموقف على الحدود. هناك وجود للجيش اللبناني على مقربة من الحدود، ووجوده هناك يطمئن الأهالي، لكن المشكلة أنه مهما فعل الجيش لن يستطيع ضبط الحدود، طالما يريد الجانب السوري أن تبقى غير مضبوطة ومشرعة. فيد واحدة لا تصفق. واللجان التي تشكلت من أجل إعادة العلاقات اللبنانية - السورية إلى مجراها هي مقبرة أي جهد. فإذا كانت الحكومات نفسها لم تنجح في معالجة المشكلات القائمة على الحدود. فأي دور ستؤديه اللجان؟ هذه اللجان قامت بجهد مشكور، ولكن لا شك أن توصياتها بقيت حبراً على ورق بفعل العرقلة السورية". وأفاد أنه لا يراقب التجاوزات التي يقوم بها الجيش السوري في المنطقة، ويضيف "التجاوزات تأخذ أشكالاً مختلفة، من التوغل في الأراضي اللبنانية إلى تسهيل المرور غير الشرعي من وإلى سورية". ورفض القادري، تقييم أداء الأجهزة الرسمية اللبنانية في مسك المعابر لاسيما في المصنع، قائلاً "لست في موقع تقييم لأداء الأجهزة الرسمية، هي تقوم بواجبها، لكن ما يؤثر على عملها ويقلل من إمكاناتها هو أنها ما زالت مخترقة بفعل رواسب الوصاية السورية، التي تركت أزلامها في كل مكان". ولفت إلى أن "السبب في إبقاء ثكنة قوسايا التابعة للقيادة العامة "أمني بامتياز، بهدف الإمساك بورقة ضغط يمكن للنظام السوري من خلالها الزعم بقدرته على زعزعة الأمن بلبنان". استشراف المستقبل وأكد القادري، أنه في ظل استمرار نظام بشار الأسد لن يكون هناك ضبط للحدود. ويقول "هذه الحكومة أعجز من أن تقوم بشيء في هذا السياق، فهي متواطئة مع النظام السوري وتنفذ أجندته في لبنان. لا شك أن المطلوب هو تطبيق الاتفاقيات بين البلدين، ولكن ذلك يبدو متعذراً اليوم في ظل التطورات السورية. فلننتظر التطورات، ولكل حادث حديث". وحول نظرته إلى رسالة المجلس الوطني السوري الأخيرة إلى اللبنانيين، قال:"رسالة المجلس الوطني السوري وضعت الإصبع على جرح العلاقة بين البلدين الشقيقين. هذا الجرح الذي أصر النظام السوري على أن يبقى نازفاً، في سياق خوفه من خسارة الورقة اللبنانية التي ما زال إلى اليوم يُسخرها لمصلحته في المحافل العربية الإقليمية والدولية، رغم كل المحاولات اللبنانية لتضميد هذا الجرح على أساس وضع أسس واضحة للعلاقة بين الدولتين وفتح صفحة جديدة ترتكز إلى سيادة واستقلال كل منهما"، مضيفاً "لا شك أن تأكيد المجلس الوطني السوري على ضرورة معالجة الملفات الشائكة بين الدولتين، يثبت من دون أدنى شك أن مسار التغيير الذي سينتصر في سورية بإذن الله، سيعود بكل الخير على اللبنانيين والسوريين والعرب جميعاً، "لأن من شأنه أن يطوي صفحة سوداء في تاريخ العلاقة بين لبنان وسورية، بفعل النظام السوري الذي أفشل كل الجهود للارتقاء بها إلى مستوى علاقة طبيعية، ولم يرتق إلى مستوى الجهد الجبار الذي بذله الرئيس سعد الحريري في هذا السياق، عندما كان رئيساً للحكومة اللبنانية". ونوّه القادري بشجاعة ما تضمنه الكتاب الذي وجهه المجلس الوطني السوري إلى الشعب اللبناني، لاسيما تأكيده أن سورية الحرة والمستقلة والديموقراطية تعترف بلبنان وطناً سيداً مستقلاً وتريد للعلاقات بين البلدين أن تكون بين دولتين مستقلتين سيدتين متساويتين". ورداً على سؤال عن إمكانية الاستعانة بالأممالمتحدة للمساعدة في الترسيم، شدد على أن "التجارب أثبتت أن "الأمر لن يحل ثنائياً في ظل وجود هذا النظام. ولكن إذا ما سقط قريباً فلا شك أن الظروف ستتغير كما جاء في رسالة المجلس الوطني السوري".