يعيش أهالي وادي خالد، الذي يعتبر أقرب منطقة لبنانية إلى سورية بالشمال حالة خوف على مصيرهم، بسبب حشود الجيش السوري، واعتداءاته شبه اليومية التي تكررت مرارا في الأسابيع الأخيرة، مع التصعيد الأمني، الذي يقوم به نظام بشار الأسد في الداخل ضد معارضيه في المدن والقرى السورية. الاعتداءات بدأت تتصاعد، والإجراءات الأمنية التي تتخذها "الهجانة" تثير الهلع وتأتي مترافقة مع إجراءات على الأرض، مثل زرع الألغام، وإطلاق النار على العابرين، وعلى المنازل، ومنع الأهالي من التحرك بحرية داخل أملاكهم. وصار "وادي خالد" مشهورا هذه الأيام بعد أن كان منسياً في السابق، ويبدو أن احتضان أهله للاجئين السوريين جعلهم عرضة للعقاب. قاسم يروي الحكاية يعتبر رئيس بلدية عمار البيكات وليد قاسم، أن المشكلات الحدودية الناتجة عن عدم الترسيم أظهرتها أخيراً الأحداث التي وقعت في سورية، وتحمّل لبنان جزءاً منها، عبر نزوح عدد كبير من اللاجئين نتيجة الأوضاع الأمنية في قراهم الحدودية، من منطقة الدريب حتى وادي خالد، ويقول "في السابق لم تكن هناك مشكلات كبيرة. قبل حوالي السنة، قتل طفل لبناني من بلدة نورا في الأراضي اللبنانية، برصاص قناصة سوريين على بعد 800 متر. كان هذا الطفل يرعى الماشية مع ابن عمه داخل حدود الأراضي اللبنانية، فأطلقت النيران باتجاههما، مما أدى إلى مقتل الطفل، أما التحقيقات بشأن هذه الحادثة، فبقيت في الأدراج مع أنه كان واضحاً أن أفراداً من حرس الحدود السورية هم من أطلقوا النار من مبنى المخفر، ولو لم يختبئ الطفل الآخر وراء صخرة لقتل أيضاً في الحادثة. وقعت عمليات إغلاق للطرقات الرئيسة والمعابر بعد عام 2005، وكان اللبنانيون والسوريون يعبرونها بطرق عادية، إلا أنه في السنوات الأخيرة حصلت مضايقات للعابرين والشاحنات. حدود سائبة ويضيف قاسم "العلاقة اللبنانية – السورية" سيئة حالياً نتيجة ممارسات النظام في دمشق، فالنظام السوري لا يفرق في معاملة اللبنانيين بين موالٍ له ومعارض، ولذلك أرى أن الحدود سائبة، ولا وجود لهيبة الدولة اللبنانية، والحدود الشمالية بين لبنان وسورية يحدها النهر الكبير. جنوباً هناك خلافات في منطقة وادي خالد والمشيرفة، إذ تتداخل بلدات لبنانية بأخرى سورية، وعلى الرغم من ذلك فالعلاقة التي تربط ما بين مواطني البلدين عادية وجيدة". ويمضي قائلا "الحدود الشمالية مرسّمة، ولكن يجب على الدولتين التفاهم. في لبنان لدينا كل الخرائط التي توضح ملكيات اللبنانيين وصكوك الملكية، وهي أمور تم تناولها في اللجنة المشتركة، والأمور كانت واضحة، ولكن كلما كان هناك عمل على الأرض، كان الأمر يتعرض للعرقلة من قبل الجانب السوري. أما عن قضية التهريب فإن 80% من عمليات التهريب كانت مقتصرة على مادة المازوت والغاز، والباقي تهريب بعض المواد الغذائية، وكان المهربون معروفون من قبل الطرفين، وعمليات التهريب كانت تتم تحت أعين اللجنة الأمنية المشتركة من الطرفين. وبخصوص تهريب السلاح، لا نريد أن نضحك على بعضنا، أين هو السلاح حتى يتم تهريبه؟، في عكار هناك أشخاص يمتلكون أسلحة شخصية، إذا اشترى السوري سلاحاً فردياً وذهب به، فهل يعتبر هذا تهريباً؟ أنا لدي بندقية في منزلي لا أبيعها لأحد، لأن وضعنا في لبنان غير مستقر. وفي السابق كان اللبنانيون يحضرون السلاح من سورية نظراً لتوفره بشكل دائم". إرهاب الدولة من جانبه يصف رئيس بلدة مشتى حمود ناجي رمضان، مشكلة الحدود بين لبنان وسورية بأنها "مشكلة أمنية نتيجة عدم الترسيم، فهناك مناطق غير محددة، لا سيما تلك الممتدة من وادي خالد حتى مشتى حمود العريضة البقاع. يفصل النهر الكبير الجنوبي من جهة الغرب أي تلكلخ العريضة، ومن جهة وادي خالد العرموطة التي تشهد اشتباكات حتى وادي الصفا. ما يحدث على الأرض يشير إلى أن هذه الحدود مستباحة. بالأمس أطلقوا النار على أحد مصانع الطوب والبلاط، وقد تضررت الآليات الموجودة فيه، ولم يحضر أحد من السلطات اللبنانية والجيش لمشاهدة ما حصل، هذه مشكلة صعبة، لا يمكن الحديث حالياً عن موضوع ترسيم الحدود في ظل الفوضى الأمنية الحاصلة في سورية. الأهالي على امتداد الحدود لا يستطيعون الاستفادة من مواسمهم الزراعية، لا سيما أن السلاح الذي يستعمل في إطلاق النار على قرى الحدود ثقيل وليس سلاحاً خفيفاً". البيت العربي وعن طبيعة المشكلات الحدودية السابقة يوضح "لا خلاف بين الشعبين السوري واللبناني على الحدود، إذ إن الحدود بينهما معروفة، ولكن هناك مناطق صوب قرحة، وفي وادي خالد على حدود أكروم أراض زراعية متداخلة، السوريون وضعوا ساتراً ترابياً يحدد الحدود، لكن بعد ذلك تأتي جرافة سورية تدفع الساتر إلى الأمام، تصبح الحدود داخل الأراضي اللبنانية وتقع المشكلة. لذلك يجب ترسيم الحدود، والحكومة مطالبة بالقيام بهذه الخطوة، لكنها لا تفعل ذلك. نحن نفضل أن تحل المشكلات ضمن البيت العربي، ونحن نخسر إذا تم تدخل دولي، لأن السكان يتضررون ولكن من خلال التفاهم بين البلدين يمكن الترسيم، وإذا كانت سورية تحترم سيادة لبنان، وتعترف به كدولة مستقلة عليها ترسيم الحدود. حتى الآن هي تناور وهذا يعني أنها لا تعترف بنا. من المستحيل في الوضع الحالي طرح موضوع ترسيم الحدود، لأن النظام السوري ذاهب إلى الزوال. ومن غير المتوقع أن يحدث الترسيم، لأن هذا النظام يريد الإبقاء على الأوضاع كما هي حتى يدخل ويخرج على هواه. النظام السوري لديه مطامع في لبنان، لكن مستقبلا يمكن أن يحصل هذا الأمر. الحدود لم تكن في يوم مشكلة بين السوريين واللبنانيين، فكل قرية تعرف حدودها تفصيليا، والأهالي ملتزمون بها، المشكلة هي سياسية، فقبل السبعينات كانت الحدود غير ما هي عليه اليوم، بعد الحرب في لبنان تحولت الحدود إلى حدود شبه مفتوحة، أي أن اللبنانيين كانوا يدخلون إلى سورية بطريقة طبيعية. عبر الحدود غير الطبيعية وعن الوضع على الحدود يقول "المعابر موجودة على الحدود الشمالية، ومنها يعبر العمال والمرضى وتجري عمليات تهريب المازوت والغاز، لأنها أرخص من لبنان وحتى الخبز يتم إدخاله. هذا لا يعتبر تهريباً بل مجرد تجارة حدودية معروفة في كثير من الدول ذات الطبيعة المشابهة. الآن الحدود ملغمة من قبل السوريين، وهم يتهموننا بتهريب السلاح، وأنا شخصياً اتهمت بذلك، مع أني في كل مرة كنت أطالب بوجود الجيش اللبناني على الحدود، وهذا مطلب لا يردده المهربون. هناك لبنانيان قتلا بالألغام، وطالما لغموا الحدود كيف سيحصل التهريب؟". المشكلة سياسية بدوره يقول ربيع ضاهر (شقيق النائب خالد ضاهر) "المواد التي كان يتم تهريبها في السابق عبارة عن أدوات كهربائية، ومواد غذائية ولا تتعدى ذلك. المنطقة الحدودية نائية جداً وأهلها يعانون من انعدام الخدمات، ومن تأمين الوظائف، ومن انعدام التنمية، نتيجة الإهمال التاريخي من الدولة لهذه المنطقة، مما حدا بأهلها إلى البحث عن حلول لأوضاعهم الاقتصادية عبر القيام بالتهريب، إذ أصبح التهريب وظيفة للعاطلين عن العمل. النظام السوري حالياً ينتقم من لبنانيين لا يدينون له بالولاء، والمنطقة تعيش وضعاً حساساً، فالأهالي يعيشون في خوف من استمرار إطلاق النار وعمليات الخطف والقصف اللذين يحدثان على الحدود في عكار وفي عرسال، ومن التقدم على الأرض، وما يطرح الأسئلة التطورات الحاصلة في الداخل السوري، إذ لا يمضي يوم إلا ويكون هناك حدث يثير قلق الأهالي ويترافق مع تحركات مشبوهة لموالين للنظام السوري، حيث تم خطف بعض الشبان السوريين اللاجئين، ويتم تسليمهم إلى النظام. ونحن مع الجيش اللبناني ومع انتشار قواته على طول الحدود لحماية أمن البلد واستقراره والدفاع عن المواطنين على الحدود، لكن ما نخشاه هو أن تكون السلطة اللبنانية تتحرك بأوامر الحكومة السورية". وطالب ضاهر بتجميد الاتفاقيات الأمنية مع سورية في ظل الوضع الراهن. ودعا النظام اللبناني لحماية مواطنيه. وأفاد بأن الوضع في المنطقة متوتر جداً، والأهالي يشعرون بأن الدولة تركتهم وعليهم الدفاع عن أنفسهم في هذه الحالة، ومن أجل هذا صدرت الدعوات من أجل قيام مجموعات "أنصار الجيش"، فالأهالي لا خيار لديهم عندما توجه إلى صدورهم أسلحة النظام السوري، فإما أن يرفعوا أيديهم ويُقتلون، وإما أن يحملوا السلاح ويدافعوا عن أنفسهم. ويمضي قائلا "إنهاء عمليات تهريب السلاح التي يقال إنها تحصل من الحدود الشمالية وتسلل مخربين أو إرهابيين هي معلومات غير مؤكدة، وخلال العمليات الأخيرة التي قام بها الجيش السوري في المنطقة، لم يعتقل أي مسلح واتضح أنه لا وجود لعناصر من الجيش الوطني الحر، لأن ما يقال حول هذا الموضوع مجرد دعاية". وذكّر بفبركات التلفزيون السوري، واتهامه شخصياً بأنه أدخل مسلحين إلى منطقة "تلكلخ" وأن الجيش السوري طوّقه في المنطقة مع مجموعة من 300 مسلّح، بينما كان حينها في طرابلس. حشد للإيذاء يكرر عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت، تحذيره من الحشود العسكرية للجيش السوري على الحدود الشمالية، إذ تشاهد الدبابات السورية وجنود الجيش السوري بالعين المجرّدة، ويقول"على الجيش تعزيز وجوده لحماية المنطقة في حال حصول عدوان سوري عليها. لأن استنفار جيش النظام الأسدي على الحدود وتعزيز مواقعه تجاه البلدات اللبنانية مؤشر واضح على أن أهدافه ونواياه ليست سليمة تجاه المنطقة، فبعد الاعتداءات بالمدفعية واصطياد البعض عبرعمليات خطف أو قنص يحدث هذا الحشد العسكري بهدف إيذاء اللبنانيين، ومنع اللاجئين السوريين من العثور على ملاذ". صدرت دعوات لإنشاء ما يسمى ب "أنصار الجيش"، لكن فتفت يرد عليها بتأكيده الإيمان بالمؤسسة والدولة ورفضه لأفكار المليشيات، ويقول:"كما انتشر الجيش في الجنوب لحماية الأهالي، عليه أن يعزز انتشاره في الشمال للدفاع عنهم تجاه أي اعتداء قد يقع عليهم، كما أن انتشاره يمنع التهريب بكل الاتجاهات، وهذا المطلب لا يجب أن يواجه بشروط أو استثناء، يجب أن يشمل انتشاره كل الحدود اللبنانية – السورية، لأنه يوفر الأمن للأهالي ويمنع ما يروج عن تهريب مسلحين، فالحكومة التي اختارت النأي بالنفس، ووزير دفاعها الذي روّج لوجود "القاعدة" وتبيّن لاحقاً أنها مجرد ادعاءات، عليها أن تزيل حجة السوريين عن تهريب السلاح، وعلى وزرائها التوقف عن خدمة النظام السوري". ويؤكد فتفت أن "قيام قوات الجيش بإنشاء حواجز داخل القرى وعلى الطرقات فقط، لمضايقة اللاجئين السوريين، لا يقنع الأهالي بأن هذا الإجراء تم من أجل حمايتهم. وعموماً نحن ضد أي ظهور مسلح سوري أو لبناني، وهذا لم يحصل في المنطقة". أزمة إنسانية ومع صعوبة الوضع السوري بالنسبة للمعارضة يرفض فتفت "مرور أي مسلح أو عناصر للجيش الوطني السوري الحر إن وجدوا وهم غير موجودين في المنطقة"، معتبرا أن الأزمة "إنسانية ونحن لن نقف مكتوفي الأيدي، بل سنساعد النازحين السوريين المدنيين إعلامياً وإنسانياً". وفي هذا السياق يعلن فتفت من جديد عن الثقة بالمؤسسة العسكرية، لكنه يستدرك "نريد تحركا عمليا، فالمشكلة هي بالتوجه السياسي. لا يمكن أن يعطي الجيش معلومات خطأ، وأن يشكل غطاء للنظام السوري، عليه الانتشار على مسافة 370 كلم، أي على طول الحدود اللبنانية - السورية المشتركة". أكثر من رأي سياسي صدر حتى الآن يشير إلى أنه في ظل الأجواء الحالية لا معنى لتنفيذ الاتفاقيات الأمنية بين لبنان وسورية، وهنا يؤكد فتفت أن "هذه الاتفاقيات تحتاج إلى إعادة النظر في مضمونها". ويقول:"نحن اليوم أمام خطر اعتداء خارجي. الاتفاقيات تقضي بملاحقة الجنود الفارين في الجيش السوري، هل تريد تسليم هؤلاء إلى الإعدام". الدعوات لترسيم الحدود عبر الأممالمتحدة كثيرة، إلا أن فتفت يرى أنها لا يمكن أن تحصل "إذا لم توافق سورية، على ذلك"، ويأمل "بأن يحقق المجلس الوطني السوري ما بشّر به اللبنانيين في رسالته، أن مسألة الترسيم ستكون أساسية، مع تأكيده على استقلالية لبنان وسيادته، وعلى التعاون المؤسساتي، وفي هذا مؤشرات إيجابية".