تقول كتب التاريخ إن «وادي خالد» اتخذ اسمه بعدما مر فيه جيش المسلمين بقيادة الصحابي خالد بن الوليد، فاتخذه معسكرا تمهيدا لمعاركه، فيما تقول كتب الجغرافيا السياسية إن وادي خالد تنتهي معه الحدود اللبنانية الشمالية لتبدأ بعده الأراضي السورية. وما بين التاريخ والجغرافيا، يتخذ الحاضر وربما المستقبل صورة مختلفة، فلا جيش يمر اليوم في الوادي، فقط جحافل المدنيين السوريين الهاربين من بطش نظامهم يعبرون إليه، عله يكون ملاذا آمنا. فيما الجيش اللبناني وعلى قاعدة حكومته بمصطلحها المبتكر «النأي بالنفس»، نأى بنفسه عن الوادي، واضعا حاجزا مشتركا مع قوى الأمن الداخلي على تخوفه، ولافتة تقول: «الحاجز المشترك لضبط الحدود اللبنانية». فيخيل للعابر أن حدود لبنان هي الحاجز، وأن وادي خالد لم يعد جزءا من لبنان. عضو كتلة المستقبل النائب عن عكار ووداي خالد في البرلمان معين المرعبي، تلقى اتهامات وجهت إليه مع زميله في تكتل «لبنان أولا» النائب خالد الضاهر بالوقوف خلف عمليات تهريب السلاح إلى الجيش السوري الحر عبر وادي خالد، وهي اتهامات لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصلت إلى اتهام عناصر من الجيش اللبناني من منطقة وادي خالد وعكار بتشكيل شبكة لضرب جيش لبنان ووحدته. النائب المرعبي استقبلنا في الوادي حيث الكل يؤكد ولاءه له. ففي منزله التاريخي الذي يطلق عليه اسم القلعة. وهو أشبه «بالآغا» في المسلسلات التركية كونه يحظى باحترام الكبير والصغير بملامحه الوقورة الهادئة التي تحيط بعينين تؤكدان الحزم والحسم في قراراته. وقال ل «عكاظ» متحسرا: «كم كنت أتمنى أن أكون ممن يهربون السلاح إلى الثوار. فمن حق الجيش السوري الحر أن يتسلح، ولو كنت أملكه أنا لما قصرت مطلقا». وأضاف أن الجيش الحر يقوم بدور بارز في حماية الشعب السوري الأعزل من بطش النظام، مستطردا « إن كان أحد يعتبر أن تهريب السلاح تهمة، فأنا أعتز وأفخر بهذه التهمة». وحول أداء الجيش اللبناني في وادي خالد قال «في الواقع، نحن نحمل ونطالب الجيش اللبناني بأكثر من إمكانياته، فهو موكلة إليه حماية حدوده الجنوبية مع إسرائيل بما يقارب 10 آلاف جندي. ومطلوب منه أيضا أن يكون منتشرا على كافة الأراضي اللبنانية وضبط الأمن داخل البلد. المرعبي أشار إلى شكوك حول عبور عناصر مسلحة من لبنان إلى سورية لكن لمساعدة النظام وليس الثوار، قائلا هناك وثائق تثبت عبور مسلحين لمساندة النظام السوري. ولكن أنا أريد أن أوجه سؤالا لو أرسلنا مسلحين لمساندة الثورة السورية ما كانت ردة فعل الفريق الآخر؟! . وتابع السوريون لا يحتاجون إلى أعداد إضافية لمساندتهم، فكم هو عدد الأشخاص الذين يمكن تهريبهم عبر الحدود مئة، مئتين، كيف يساعد السوريين هذا العدد؟، عمليا إذا أرسلنا مئة شخص من دون سلاح بماذا سنفيد الثورة السورية، طالما الموضوع يتعلق بالمواجهة. وأردف «نحن لدينا شكوك بعبور عناصر من حزب الله. وقد شوهدت دوريات للمخابرات السورية في الأراضي اللبنانية، وأخرى لعسكر وهجانة النظام وتوغلوا في مناطق السهل اللبناني مثل الكنيسة وحنيدر المتاخمة للحدود الشرقية. هذه الاتهامات والإضاءات التي تلاحقنا هي للتعمية على تهريب السلاح الذي يتم باتجاه لبنان، وآخر هذه المشاهد الشاحنة التي حاول الجيش اللبناني مساعدتها بعد تعطلها ومنعه حزب الله. ورفض اتهام قوى «14 آذار» بأن تيار المستقبل يهرب السلاح لسورية وقال أولا نحن لا نملك السلاح الذي نحمي به أنفسنا، فكيف يمكننا أن ندخل السلاح عبر المرافئ اللبنانية وهم الذين يسيطرون عليها كلها إن كان عبر الحدود البرية، أو عبر المطارات. المرعبى رأى أن الحصار المفروض على وادي خالد سببه دعمه للشعب السوري فيقول: الذنب الذي اقترفه وادي خالد أنه دعم الثورة السورية، وحضن اللاجئين والنساء والأطفال منذ أول أيام الثورة حين لجأ إليه الأهالي السوريون». ويضيف «وادي خالد ذنبه أنه حضن الأهالي عندما وصلوا إليه عراة إلا من ثيابهم، حيث تركوا مالهم وأملاكهم وهربوا خوفا من بطش النظام. وذنب وادي خالد أنها قدم لهم الطعام والمسكن وشاركهم الفقر. حقا إنه ذنب عظيم أعلن بسببه وادي خالد من قبل النظام اللبناني منطقة عازلة وبدلا ما تكون فقط عازلة عزلوها ومنعوا عنها الإعلام، ومنع على أهلها الخروج والدخول، وهذا ليس جديدا، فقد منع أهل وادي خالد منذ زمن من التجارة والعمل والتجول بحرية، لقد أحكم الخناق عليهم، ومؤسساتهم الاقتصادية والاجتماعية شبه معدومة، فإذا أقدم أحد الأهالي على بيع شاحنة من الخضار في متجره يتهم مباشرة من قبل القوة الأمنية المشتركة أن ما يقوم به تهريب وليس تجارة. الحصار مطبق على وادي خالد دون مراعاة مصالح أهله، ممنوع عليه الطبابة، والماء والكهرباء. وتابع وادي خالد كبش فداء، وهو المتهم دائما، وكما هو متهم، نحن نتهم من يتهمه ونتهم النظام اللبناني الذي حوله إلى منطقة معزولة كونه يملك خطة معينة ويريد تنفيذها. أين المشكلة بحرية ودخول وخروج الإعلام إلى وادي خالد؟ من يحاول إخفاء حقيقة وبؤس وعزل وادي خالد هو النظام اللبناني. بينما نحن نقول اسمحوا للإعلام أن يعطي الصورة والمشاهدات الحقيقية لأهالي وادي خالد. وبالتالي النظام اللبناني يكون بهذه التعمية التي يتبعها، يحاول إخفاء الجرائم التي ترتكب بحق السوريين النازحين واللبنانيين على الحدود من أن توثق وتتدخل لجان حقوق الإنسان لتسجيلها والوقوف عندها. المرعبي أكد عدم خوف أبناء وادي خالد من توغل الجيش السوري مؤكدا صمودهم قائلا : « القوات السورية كانت في أراضينا لعشرات السنين، ولم نخشاهم، فكيف نخشاهم وهم خارج حدودنا. العالم كله يشهد على ممارسات النظام السوري بحق شعبه والعالم بدأ يتوحد على إدانة النظام ووحشيته وهمجيته». من جهته، روى رئيس بلدية مشتى حمود ناصر رمضان تفاصيل الحكاية بعد جولة لنا معه على قرى وادي خالد، فقال: « استقبلنا النازحين في مدرسة منذ بداية الثورة واستضفنا باقي العائلات في منازلنا بحيث بات يضم كل منزل عائلة أو اثنتين. في الأساس مناطق عكار ووادي خالد نائية والدولة اللبنانية لا تلتفت إليها من كل النواحي، فعاش سكانها من التجارة المتبادلة مع الأراضي السورية، فكيف الحال بعد أن وصل إلى هذه المناطق النازحون، فبالكاد أهلها كانوا يتدبرون أمر معيشتهم. وأثبتوا أنهم لا يشبهون دولتهم، فقد احتضنوا الأهالي الهاربين وتقاسموا معهم رزقهم وماءهم وأدويتهم التي بالكاد يحصلون عليها. فعكار ووادي خالد والقرى المحيطة بهما نائية جدا حتى لا يوجد داخلها مستشفى، فقط مستوصف وهو بعيد جدا عن السكان». وأضاف : «تخطينا دولتنا اللبنانية وطالبنا عددا من الدول العربية أن يلتفتوا إلى النازحين في هذه المناطق اللبنانية النائية، ويقيموا لهم مخيما وبئرا ارتوازيا كوننا نعاني من الشح في فصل الصيف، وأعتقد أننا خلال شهر مقبلون على أزمة معيشية وإنسانية مزرية لأننا سنفتقد إلى الماء». وعن عمليات تهريب السلاح التي تتم عبر هذه المناطق الحدودية إلى سورية، رفض رمضان رفضا قاطعا هذا الكلام وقال: «لن نسكت بعد اليوم على هذه الاتهامات التي تساق كل فترة في الوسائل الإعلامية، نحن نريد توقيف هؤلاء المهربين للسلاح ونريد إعلان أسمائهم على الملأ، كفاهم إساءة إلى أبناء وادي خالد وعكار. فليكشف الغطاء عن المهربين ولنتعرف إلى أية جهة ينتمون».