العلماء موثوقون لكنهم غير معصومين، فالعالم يجتهد ويصيب، وقد يجتهد فيخطئ، وإذا أخطأ فإن العلماء يردون على الخطأ، وإنما قلت (العلماء) احترازًا من غيرهم ممن يُدْخِل نفسه في مسائل العلم الشرعي، وهو لا يعرف الخاص والعام، ولا المطلق والمقيد، ولا المحكم والمتشابه، ولا الناسخ والمنسوخ، ولا الصحيح والضعيف، فأهل العلم هم الذين يردون على الخطأ، ويبيون الصواب بعلم وعدل. وهذا هو منهج الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم إذا أخطأ أحدهم، فإنهم يردون على الخطأ، ويبينون الصواب، مع احترامهم لبعض، والأمثلة على ذلك في كتب السلف كثيرة معلومة. ومع الأسف فإن بعض طلبة العلم في زماننا، يكون خطأ العالم فتنةً لهم، فطائفة منهم لا يقبلون أن يُبيَّن خطأ العالم الذي يحبونه، وإنما يريدون تصويب خطئه، فيقولون إنه لم يخطئ، والمخطئ هو من يَرُد عليه، وطائفة أخرى على النقيض من ذلك، يتخذون من خطأ العالم سُلّمًا للقدح فيه، وإنكار فضله وعلمه وسابقته. وكلا الطرفين فاسد. ومن سلك طريق الاعتدال فإنه يحب أهل العلم ويعرف لهم فضلهم، وإذا وقعوا في خطأ لم يتابعهم عليه، بل يفرح إذا تم تصحيح الخطأ، فالعالم قد يكون معذورًا في خطئه لأنه مجتهد، لكن أتباعه ومحبيه ليسوا معذورين في متابعته على الخطأ. وقد كان الشيخ ابن باز رحمه الله يُجِّل العلامة ابن حجر رحمه الله، ولكنه إذا مرَّ على أخطاء في فتح الباري وقع فيها ابن حجر رحمه الله في تأويل الصفات، فإنه بين خطأها وبين الصواب في ذلك، يفعل ذلك بعلم وأدب جم. وقد كان شيخنا ابن عثيمين رحمه الله يربي طلابه على هذا المنهج، فإذا رجَّح مسألة من مسائل العلم، فإنه يُبين للطلاب أن هذا ما أداه اجتهاده، لكن لا يلزم الناس باتباعه عليه. وأذكر أني سمعته في أحد دروسه في مسجده يقرر مسألة شرعية: وهي أن الركبتين تقدمان على اليدين أثناء إرادة السجود، وبعد أن ذكر الأدلة وأجاب عن استدلال من يقول بخلاف قوله، ذكر فائدة تربوية لأن شيخنا ابن عثيمين رحمه الله مربي، ولا يكتفي بإلقاء مسائل العلم، بل يحرص على التربية قبل العلم، ويقول: تعلموا السمْت والهدْي والأدب كما تتعلموا العلم، أقول: لمَّا ذكر ما يراه راجحًا، قال: مع أني أرجح ذلك إلا أني أقول لكم: إن الذي يقدم يديه على ركبتيه أثناء السجود بمقتضى الدليل عنده، أحب إلى ممن يتابعني لمجرد المحبة والتقليد. وكنت قرأت كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ذلك يُبيّن فيه سبب المنهج المنحرف في هذه المسألة (مسألة الموقف من خطأ العالم)، ثم بيَّن المنهج المعتدل، وذلك في قوله (يجب أن يُعلَم أن الرجل العظيم، في العلم والدين، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة، أهل البيت وغيرهم، قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونًا بالظن، ونوع من الهوى الخفي، فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه، وإن كان من أولياء الله المتقين، ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين: 1) طائفة تُعظِّمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه. 2) وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحًا في ولايته وتقواه، بل في بره وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان، وكلا هذين الطرفين فاسد. والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا، ومن سلك طريق الاعتدال، عظَّم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه، فيُعظِّم الحق، ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيُحمَد ويُذَم، ويُثاب ويعاقب، ويُحب من وجه، ويُبغَض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافًا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم).