إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    وزير الحرس الوطني يفتتح قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيني وبين ابن جبرين
نشر في أنباؤكم يوم 14 - 07 - 2009

فضيلة الشيخ / سلمان بن فهد العودة - الاسلام اليوم - أعيد نشره لمناسبته
ثمة قضايا كنت أُتَابعُ بها منذ زمن، تثار وتذكى حيناً بعد حين، وكان يقيني أن التشاغل بتفتيت مثل هذه الإثارات انصراف عن الأهم المجدي مما قصدنا إليه، وجعلناه هدفاً نجهد أن ننفق فيه ما أبقى الله لنا من أعمار .
ومع أن القضية تتعلق بشخصي، إلا أني على يقين أن قضيتنا أكبر من ذواتنا، وأن الذي يهمنا ما يقال عن عقيدتنا وديننا وليس عن أشخاصنا.
ولذا تفارطت السِّنون تباعاً وأنا في غاية الإعراض عن التشاغل بهذه القضايا أو التعليق عليها، أو التعقيب على الردود حولها .وكنت أرى أن المسألة ستتحول بمضي الزمن من مرافعات شخصية إلى قضية علمية بحتة، متجردة إلى حد كبير من انفعالاتها وحساباتها الوقتية.
ولذا فإن رسالة وصلتني من سماحة الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين –حفظه الله- جعلتني أقف لهذا الموضوع هذه المرة وأبيِّن فيه ما عندي، وعسى أن يجعل الله في هذا الأمر خيراً لنا جميعاً .
وكانت رسالة الشيخ عبارة عن سؤال وصله من أحد الإخوة الغيورين ضمَّنه عدة أسئلة ترجع إلى سؤالين هما مَثار الجدل لهذه القضايا أقتصر عليهما.
يقول السائل :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نود من فضيلة شيخنا عبدالله الجبرين الجواب عن الأسئلة الآتية :
ما حكم الشرع فيمن قال عن مغنٍّ يجاهر بفسقه ما نصه : " هذا لا يغفر الله له ! إلا أن يتوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بأنه لا يعافى " كل أمتي معافى " .. لأنهم مرتدون بفعلهم هذا ردة عن الإسلام !! هذا مخلد – والعياذ بالله – في نار جهنم إلا أن يتوب ! ! لماذا ؟ لأنه لا يؤمن بقول الله عز وجل : " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً " بالله عليكم الذي يعرف أن الزنا حرام وفاحشة ويسخط الله هل يفتخر أمام الناس ؟ أمام الملايين أو مئات الألوف من الناس ؟ ! لا يفعل هذا أبداً ..؟
فبالله عليك يا شيخ عبدالله الجبرين ما حكم الشرع فيمن قال ذلك ؟ وهل يعد من الخوارج ؟ وهل نحذر منه نصيحة لله ولرسوله وللمسلمين ؟ وهل نصرح باسمه ؟ علماً أنه قد نوصح ولم يرجع ؟
وما حكم الشرع فيمن فرق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية وقال أيضاً : " إن الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله قد وافقني على ذلك ؟!!
علماً بأن الشيخ - رحمه الله - قد سئل عن ذلك فقال لم أوافقه على ذلك ، بل قال الشيخ رحمه الله : " الفرقة الناجية هم الطائفة المنصورة " .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقد تكرم الشيخ عبدالله -حفظه الله- فكتب على الرسالة التعليق التالي، وبعث بها وبالتعليق إلي، ونص التعليق هو:" عليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد أرى أن تحال إلى فضيلة الشيخ سلمان بن فهد بن عودة ؛ ليتولى الإجابة عنها ، فله - وفقه الله - اختصاص بهذه المواضيع ، ويمكن تولي مناقشة هذه المسائل معه ، وسوف يقتنع السائل بما لديه من الجواب إن كان قصده الصواب ، والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم 22/12/1422ه عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين التوقيع .
وإنني حريص على التعقيب بما لا يجرح شعور الأخ السائل، مبيناً في ذلك ما يزيل اللبس ويكشف الإشكال –إن شاء الله- فالقول الأول المتعلق بالغناء ورد في كلمة ألقيتها بعنوان (جلسة على الرصيف) ومثله القول الأخير المتعلق بالفرقة الناجية، والطائفة المنصورة .
وقد أشار الأخ الكريم إلى أن المتكلم نوصح فلم يرجع، وكأنه فهم من هذه الكلمات أنني أكفر أصحاب المعاصي، وهذا الكلام وإن كان يوهم ظاهره ما أشار إليه الأخ السائل لو كان منبتاً عن سياقه، وعن حال قائله. ولكن من المعلوم أنه كلام كنت ألقيته ارتجالاً في محاضرة عامة، والكلام الشفوي لا يستحضر المتكلم فيه إيراد المحترزات واللوازم بقدر ما يحرص على إيضاح الفكرة العامة التي يتكلم فيها، ومن المعلوم لدى أهل العلم أنه لا يؤخذ أحد بمفهوم كلامه إذا كان له منطوق كلام صريح بخلافه، كما قرر ذلك الإمام ابن الوزير في (العواصم والقواصم) وحكاه اتفاقاً بين أهل النظر.
والأصل أن حال المتكلم ومشهور قوله كافية في إيضاح مراده، ومع ذلك فإني أوضح الأمر لمن يكفيه الإيضاح فأقول: إن أهل الإسلام كافة لا يكفرون أصحاب الذنوب ما لم يستحلوها ، لا يخرج عن هذا إلا فرقة الخوارج ومن سلك سبيلهم ، ممن استحلوا دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم بغير حق .
وهذا المذهب الفاسد معروف من ينتحله ويذهب إليه، وليس ثمة حاجة إلى اقتناص شوارد يدان بها هذا أو ذاك، فإن الأصل في المسلم السلامة، وإذا ادعى مسلم أنه لا يقول بهذه المقالة فالجدير أن تقبل دعواه، ويوكل أمره إلى الله، ولا يكلف بالتزام القول ثم الرجوع عنه.
لقد جاء المنافقون إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- في أعقاب غزاة تبوك يعتذرون إليه، فقبل منهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله .
ونحن اليوم ننادي بتحقيق هذا القدر من التعامل الحسن بين المؤمنين الذين جمعتهم لحمة الدين والإخاء الشرعي، أن يقبل بعضهم من بعض، ويستغفر بعضهم لبعض ويحسنوا الظن فيما بينهم، ويكلوا السرائر إلى الله .
وهذا القول المذكور لا يُقصد به المعنى الذي ظنه السائل، خاصة وأن في نص الكتاب المطبوع ذكر الزاني، وتغريره بالفتيات، وذمه من لا يفعل مثل فعله، وأنه يعد الزنا من الفتوة والرجولة والكمال، ويستخف بمعصيته مع أن الله - تعالى- يقول: " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا " فهل يفتخر الذي يؤمن أن الزنا فاحشة تسخط الله ؟!
وهذا يعني أن المقصود ليس الغناء أصلاً، وإنما التمدح بالفجور والزنا والثناء عليه وعلى أهله وانتقاص من لا يفعله بأنه ليس لديه الفتوة، والرجولة والقوة، وبين هذا وذاك فرق كبير.
إن الألفاظ وعاء المعاني، فإذا ظهر المعنى حسن التجاوز عن اللفظ ولو كان فيه نقص أو إخلال أو حتى خطأ .
وقد حكى لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قصة الرجل الذي قال: " اللهم أنت عبدي وأنا ربك "، فغلبه الحال عن المقال .
فلا تحمل مقالات الناس فوق قدرها ونصابها، ولا تعزل عن سياقها الخاص والعام، ولا يتطلب من ورائها معنى وقر في ذهن السامع أو القارئ فأصر على الإلزام به؛ لأن المقصود إن شاء الله هو البيان والنصيحة، مع الشفقة والرحمة، وحب الخير للناس .
إن للخوارج مسلكين فاسدين يعزز أحدهما الآخر :
أولهما: مسلك الغلو في الاعتقاد، الذي ظنوه تعظيماً لحرمة الشريعة، وخرجوا به عن حد الاعتدال إلى الإفراط بتكفير أصحاب المعاصي .
وثانيهما - وهو تفريع على الأول-: يتمثل في العدوان على المسلمين والجور في معاملتهم، فاستحلوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم .
وليس في جمهور المسلمين - بحمد الله - من ينتحل صريح رأي الخوارج في الغلو والتكفير بالمعصية إلا فئة قليلة لا شأن لها، وعسى الله أن يكف بأسهم، ويهدي قلوبهم، ويحفظ المسلمين من شرهم.
ولكن هناك من يتجرأ على دماء المسلمين وأموالهم بتأويل فاسد، وهذا خطير، وقد كتبت حوله الكثير، وحذرت من مغبته، وإن كان علاج مثل هذا يتطلب الجد في إزالة أسبابه ودوافعه والتي منها الحجر على الدعوة ومحاربتها، واضطرارها إلى المخابئ البعيدة عن التدارك والتصحيح .
ويوجد وراء هذا وذاك من أهل الخير والتفقه ممن لا يقولون بقول الخوارج وربما أعلنوا عليه الحرب والنكير، لكنهم يقتبسون منهم مسلكهم في القسوة على مخالفيهم ، ومحاصرتهم بالتهم، فهذا زنديق، وهذا مبتدع ضال، وهذا خارجي، وهذا مرجئ .
دون أن يكون لهم في ذلك بصر ولا أناة، أو يكونوا من أهل العلم المحتكم إليهم في هذه المسائل، وقد يصبح معقد الولاء والبراء على مثل هذه الأغلوطات، وربما استقر في ذهن الشاب (حديث السن) معنى قريب فتشبث به وجادل حوله، وأضاع فيه أثمن سني عمره،إذ كان خليقاً أن يصرف في البناء والتكوين العلمي والسلوكي.
إن التصحيح والبيان واجب، على أهله الذين هم أهله، ممن يملك العلم والرحمة معاً " آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً ".
ولقد يدرك أولو الألباب الجهود الإسلامية التي يأكل بعضها بعضاً، ويدمر بعضها بعضاً، مع مسيس الحاجة إليها والعجز المستحكم عن مدافعة العدو الصريح الذي سلب الديار، ونهب الأموال، وصار يتدخل في خصوصيات المسلمين ومعاقد حياتهم .
وأظهر منه ضعف تبليغ الإسلام إلى البشرية ، ففي الوقت الذي يحتدم الجدل والتمحك بيننا في مسائل ما كانت لتبلغ ما بلغت لولا أننا ألححنا عليها وأكثرنا من الدوران حولها ، في الوقت نفسه يظل أربعة من كل خمسة في الأرض كلها من غير المسلمين ، وممن لم تبلغهم رسالة الإسلام غالباً .
ونحن نرى أن هذه وتلك هي المعارك الجادة التي يجب أن نتأهل لها ، أما العراك مع إخواننا فنؤثر طيه وتجاوزه، وقبول العذر، وإحسان الظن، ونؤثر لكل شاب يُجر إلى مثل هذه المنازلات ألا ينجر إليها بحال، وأن يؤثر العفو والصفح والتسامح، وعدم أخذ الأمر بالشدة، وللإخوة الذين يقولون إنهم يدافعون عن بعض الدعاة أو يحمون أعراضهم أقول: أحسنتم وأجملتم، ولكن كان أولى بكم أن تنشغلوا بما هو أهم من ذلك من الدفاع عن الإسلام والعقيدة، وتصحيح أحوال المسلمين، أو دعوة غير المسلمين أو بناء الدنيا أو بناء الدين .
إنه قد لا يضير إنساناً أن يموت موحداً ، ولكنه يسيء الظن بي عن اجتهاد ، أو عن تقليد لمن ظهر له صلاحه ، ولكنه يضيره أن يموت جاهلاً بالله أو بدينه وشريعته ، أو بكتابه ، أو برسله .
وإذ نحن مسلّمون بمحدودية الجهد الذي نبذله فلم لا نختار له أهم المواقع وأنفعها ؟
المسألة الأخرى التي وردت في سؤال السائل الغيور وفقه الله هي أنني أقول بالتفريق بين ( الفرقة الناجية ) و ( الطائفة المنصورة ) وأنني أزعم أن ابن باز رحمه الله وافقني على ذلك ، ولكن الشيخ نفاه ، وقال بأنهما واحد .
وبحث هذه المسألة لا بأس به ، فهي من المسائل العلمية التي لا يخلو تأملها من فائدة ، ولكنها ليست من المسائل الكبار ، بل هي من جنس بحث العلماء في التوفيق بين الأحاديث ، كما صنع الطحاوي وابن قتيبة وابن حجر وابن تيمية والنووي وغيرهم ، ومن جنس بحث المفسرين في دلالات الألفاظ القرآنية وتطابقها أو تفاوتها ، فإن أفراد هذه المسائل قد يعرض للناظر فيها بعض التردد ، أو الخطأ غير المقصود ، وهذا مرفوع حرجه عن الأمة ، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، والقائل فيه باجتهاد بين أجر وأجرين .
وقد تكلم أهل العلم فيما هو أولى بالنظر من ذلك كمسألة الفرق بين الإسلام والإيمان ، فمنهم من قال هذا هذا ، ومنهم من حمل كلاً على معنى ، ومنهم من فرق في حال دون حال ، وبكل قال أئمة ذوو قدر واعتبار ، ولا تعنيف على أحد منهم فيما ذهب إليه ؛ لأن المسألة علمية لها دقة وخصوص ، وقد بسط القول فيها ابن تيمية في كتاب الإيمان .
ومثله كلام المفسرين حول المقتصد والظالم لنفسه والسابق بالخيرات .
وما أبديته في بحثي المطبوع ضمن ( رسائل الغرباء ) هو نوع من التفسير للنص ، وهو عندي صواب يحتمل الخطأ ، وعند الأخ السائل خطأ لعله يحتمل الصواب إن شاء الله ، إذ لا قطعية في هذه المسألة ، وليست من معاقد الإجماع ، بل هي من موارد الظنون .
وكأن بعض الناس أطلق أنني أقول : هذه غير تلك ، ولم يفصح عن المعنى ، والحق أنني أذهب إلى العموم والخصوص ، وأزعم أن الطائفة المنصورة هي بعض الفرقة الناجية ، فالفرقة أعم ، والطائفة أخص ، والنجاة حاصلة لكثير من المسلمين ، ولو كانوا غير منصورين ، فالصحابة الذين اختلفوا وتنازعوا كلهم ناجون ، ومنهم المنصور ومنهم غير المنصور ، ويحسن مراجعة كلام ابن تيمية في هذا المعنى في الفتاوى ( 4/443 – 450 ، 467 – 470 ).
وهذا المعنى ثابت في الكتاب المنزل في قوله عز وجل : " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون "[التوبة : 122] .
فجعل الطائفة جزءاً من الفرقة وأخص منها ، وهذا معروف لغة أن الطائفة أقل ، حتى يقال : طائفة الثوب ، وطائفة النخل ، وقد يسمى الواحد طائفة كما في آية النور عند بعض المفسرين "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "[النور:2] .
وساعد على هذا القول أن اللفظين مختلفان في دلالتهما وفي وصفهما ، فهذه فرقة ، وتلك طائفة ، وهذه ناجية ، وتلك منصورة ، واختلاف المبنى يدل على تفاوت في المعنى ، وكان هذا هو الأصل ، والله أعلم .
وبكل حال يعلم بأنني لا أقول : إن هذه غير تلك كما قد يلتبس على قوم ، ولكنني أقول : هذه ( من ) تلك ، أي : بعضها ، فقد يقع لقوم النجاة من الانحراف دون النصرة ، ويقع لآخرين هذا وهذا .
وقد بسطت القول في غير هذا الموضع ، ولا أرى الإطالة في المسالة ، فهي مبحث عارض يحسن تجاوزه ، والقول بأنهما لفظان مترادفان لافرق بينهما البتة له وجه .
وقد علق على البحث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في سلسة الأحاديث الصحيحة (1/932 ) ( وأما ما أثاره في هذه الأيام أحد إخواننا الدعاة من التفريق بين (الطائفة المنصورة ) و ( الفرقة الناجية ) فهو رأي له لا أراه بعيداً عن الصواب
، فقد تقدم هناك النقل عن أئمة الحديث في تفسير الطائفة المنصورة أنهم أهل العلم بالحديث وأصحاب الآثار ،
وبالضرورة تعلم أنه ليس كل من كان من الفرقة الناجية هو من أهل العلم بعامة بله من أهل العلم بالحديث بخاصة .
ألا ترى أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين يمثلون الفرقة الناجية ؛ ولذلك أمرنا بأن نتمسك بما كانوا عليه ، ومع ذلك فلم يكونوا جميعاً علماء ، بل كان جمهورهم تابعاً لعلمائهم ؟
فبين ( الطائفة ) و (الفرقة ) عموم وخصوص ظاهران ، ولكني مع ذلك لا أرى كبير فائدة من الأخذ والرد في هذه القضية ؛ حرصاً على الدعوة ووحدة الكلمة ).
ويعلم أن بين اللفظين ترادفاً ظاهراً من حيث إن استجماع أسباب النجاة سبيل إلى تحصيل النصرة ، وأن النصرة لا تكون إلا لأهل النجاة ، وهذا قدر مشترك بينهما ، لكن هل يلزم من هذا الترادف التطابق التام من كل وجه ؟
هذا محل النظر .
إذ يمكن أن يكون بينهما تطابق محض كما اختاره بعض الإخوة ، ويمكن أن يكون بينهما عموم وخصوص كما أشرنا وأخترنا ، والعموم والخصوص لا ينافي الترادف والاشتراك العام .
وإذ قيل كما هو ظاهر مراد السائل : إن هذين الحرفيين ( النجاة ) و ( النصرة ) من قبيل المتواطئ ، فإن المترجح لدي أنها من قبيل ما يسميه العلماء بالمشكك ، ومعلوم عند كثير من المحققين من نظار أهل السنة وغيرهم أن المشكك داخل في المتواطئ لا يخرج عنه وهو باب واحد من الألفاظ المشتركة المناسبة لمعنى أو أكثر وتنوع مناسبته بحسب الإضافات فإن اللفظ المطلق ليس له حكم اللفظ المركب باتفاق أهل النظر .
والتفاوت في المقامات العلمية أو العملية هو من الأمور القطعية ، فالجنة درجات ، وأهلها متفاوتون بحسب مقاماتهم في الدنيا ، منهم النبيون ، ومنهم الصديقون ، ومنهم الشهداء ، ومنهم الصالحون ، ومنهم دون ذلك ، ومنهم من يدخل بغير حساب ، ومنهم من يدخل النار ثم يخرج منها ، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (... إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة أراه فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ) .
ولأهل العلم مآخذ شتى في أقسام الناس وطبقاتهم ومنازلهم ، وقد صنف فيه أهل السلوك ، وتفاوتوا بحسب الخصال التي اعتمدوها ، وبحسب البسط أو الإيجاز وغير ذلك .
وهذا من أسرار الشريعة في العدل بوضع كل شيء في موضعه ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وفي الترقي بالناس مرحلة بعد أخرى ، فالسائر كلما وصل مرحلة لاحت له معالم فوقها فتطلع إليها وجاهد في تحصيلها " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا "[العنكبوت:69] .
وهذا لب المسألة أن يعظم حرص المرء على العلم الذي ينفعه في نفسه ، ولا يتحول العلم إلى خصومات بين أهله تقطعهم عن الطريق وتشغلهم عن الغاية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.