«والدتي هي من صنعتني، لقد كانت واثقة بي؛ حينها شعرت بأن لحياتي هدفا، وشخصا لا يمكنني خذلانه». هذا ما قاله توماس أديسون في مرحلة ما من حياته، وأديسون كما نعرفه جميعا هو من أشهر مخترعي التاريخ، وله يعود الفضل في اكتشاف المصباح الكهربائي المتوهج مع زميله المخترع وليام هامر، وسجل باسمه ما يقارب ألف براءة اختراع في مجالات مختلفة ودول متعددة. عند تنأمل هذه العبارة لأديسون والعودة لتاريخه وتحديدا نشأته والعلوم والمعارف التي تلقاها طفلا في بداية حياته نجد أنه -ككثير من المخترعين في الماضي- لم يتلق تعليما كافيا، بل إنه قد صنف دراسيا بالتراجع والبلاهة، لكن إيمان والدته به واستمرارها في تعليمه منزليا، مع حبه للاطلاع والقراءة والبحث والتجريب ساعد على تكوين مستقبلة وتغيير مجرى حياته بالكامل حتى أصبح ما هو عليه وانتهى إلى ما يعرف به إلى اليوم. تلك الظروف التي صاحبت نشأة مثل هذا العالم؛ وإيمان شخص واحد به كان المفتاح لخلوده في تاريخ البشرية كمخترع، لم ييأس يوما من التجريب ولم يفقد شغفه نحو المعرفة، تجعلنا ندرك أن الرعاية التي قد يتلقاها الطفل إذا ما شعرنا باستثنائيته قد تصنع منه شخصا مختلفا، قادرا ربما على تغيير معالم مستقبل كامل يتجاوز مستقبله ووطنه وتاريخه، فكيف إن كانت هذه الرعاية تمتد لتكون على هيئة مؤسسة حكومية تضع نصب أعينها البحث عن أولئك المتميزين، وتقدم لهم الرعاية والدعم والاهتمام، ليس بإتاحة التعليم المتاح لكل طفل ونشء في هذا البلد وحسب، بل بخطط خاصة، ومنهجية محكمة، ورؤية مستقبلية تمثلت في مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع. الحديث عن مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين لا تأخذ طابع المديح الذي هم في غنى عنه لما يلمس منهم على أرض الواقع من جهود مستمرة وتحقيق لما تراه المؤسسة بأنه ليس نوعا من العمل النخبوي أو الرفاهية العلمية، بل شعور بالمسؤولية تجاه فئة قد توجد داخل كل بيت في هذا الوطن، قد يصادفه الحظ أن يحظى بالانتباه من والديه، أو معلميه في المدرسة، ثم يودع في رعاية برامج خاصة تنعكس على مسير عملياته التعليمية وعلى مصيره المستقبلي وتعود بالفائدة في البدء والمنتهى على البيت الكبير، الوطن الذي يرعاه ويؤمن به ويثق بأن لحياته هدفا كثقة والدة أديسون بابنها وإن قال عنه معلموه بأنه أبله وعديم الفائدة. لكن الأدوار مع هذه المؤسسة – كغيرها من المؤسسات والجهات المعنية بالتربية والتعليم- أدوار تكاملية، لن تنجح إلا أن سارت ضمن خطط إستراتيجية شاملة، ودوائر من المنفعة العامة التي تصب في صالح النشء. لهذا جاءت رؤية المملكة 2030 باهتمام خاص بالاستثمار في الإنسان، وجعل كل فرد مواطن مسؤول في وطن طموح. هذا البيت الكبير الذي يضم عددا من الموهوبين اللامعين الذين برزت أسماؤهم في السنوات الأخيرة من مراحل دراسية مختلفة، في مواهب مختلفة داخل وخارج الوطن؛ امتدت رعايته للموهبة خارج الحدود لتدخل كل بيت عربي من الخليج حتى المحيط من خلال إطلاق مبادرة الموهوبين العرب، للمساهمة في رعاية وبناء قادة التغيير من الطاقات العربية الشابة، بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة «الألكسو»، التي كان حصيلتها اكتشاف 230 حصلوا على أعلى الدرجات في هذه المبادرة يمثلون 11 دولة عربية، منهم 60 موهبة استثنائية، وهي مبادرة تعزز من أدوار المملكة الرائدة دائما في مشاركة نجاحاتها الداخلية إلى الخارج، وبالأخص في الدول العربية الموعود موهوبيها بالاكتشاف ثم الرعاية فالتميز الذي سينعكس على البشرية جمعاء في رسالة إنسانية سامية تتميز بها المملكة دائما. العناية بالموهوبين مع ما يحمله هذا العصر من إيقاع سريع ومتغير في المعلومة وطرائق مختلفة لنقل وتبادل المعرفة تصبح أكثر أهمية، في ظل التنافس العالمي لقيادة العالم، القيادة التي لن تتحقق إلا من خلال استثمار رأس المال البشري الذي نملكه في شريحة كبيرة من النشء، والإمكانات المادية والمعنوية التي تسخرها الدولة لرعاية هذا الجيل والأخذ بيده لمصاف الدول بالمعرفة والعلم، ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع تمثل أحد أهم القنوات التي تحقق هذه المستهدفات والتي يعول عليها المسؤولون والمربون الكثير نحو جيل أكثر إبداعا. لكن المحك الأساسي لرعاية أي موهوب والوصول به لهذه القنوات التي تدعمه وترعاه يبقى دائما لدى الأسرة، فهي الحاضن الأول للطفل، وهي التي تستطيع أن تدرك مدى اختلاف أبنائها وما يملكونه من شغف واهتمام وطموح، وهي من تقدر بالإيمان بهم أن تضعهم على أول سلم الإبداع، وتسلمهم بطمأنينة لمن يرعى تلك المواهب باحترافية، ويراهن عليه بعد الرعاية اللازمة. وما دام لدينا كل هذه الفرص والإمكانات فإننا نطرح على كل أم وأب هذا التساؤل: هل في بيتكم موهوب؟ إن كان الجواب «نعم»؛ حتما تعلمون ما عليكم بعد ذلك عمله.