بالأمس البعيد.. يقرر الملك فيصل بن عبد العزيز -عليه رحمة الله- أن يمنع البترول عن الغرب لنصرة مصر في حربها عام 73؛ ليهرع إلى أعتاب مخيم قصي خارج الرياض وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر مترجيًا متوسلًا إياه للعدول عن قراره، الذي تسبب في تداعيات كارثية على اقتصاد بلاده، ومن ورائها الغرب، بل والعالم أجمع، ليبدأ الثعلب الأمريكي، بعد أن دخل منحنيًا من باب الخيمة، ويقوم باستفتاح حديثه بالمداعبة السياسية التي تخترق تلك القضية التي ذهب من أجلها، فقال: «إن طائرتي تقف هامدة في المطار بسبب نفاد الوقود؛ فهل تأمرون جلالتكم بتموينها، وأنا مستعد للدفع بالأسعار الحرة؟ حينها لم يبتسم الملك، بل رفع رأسه بكل عزة قائلًا: «وأنا رجل طاعن في السن وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت؛ فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية؟». ليسجل التاريخ موقف الملك فيصل واسمه بحروف من نور وكرمز للقوة والصلابة، ذلك الملك ومن ورائه شعبه الذي أكد أنه لا يهتم بأموال النفط، ولا بالنعيم المقيم الذي يدره على بلاده، وأنه على استعداد أن يعود إلى حياة ما قبل النفط، حيث التمر والحليب، ولا يفرط في عزة وكرامة العربي الأصيل، وكلنا يعلم بقية القصة وتداعيتها. وكما يقال إن التاريخ يعيد نفسه؛ لتأتي أحداث الحرب الروسية الأوكرانية مؤخرًا، وتلقي بظلالها على العالم وتبرز من جديد أهمية المملكة العربية السعودية في أي معادلة تتعلق بالاقتصاد العالمي. قرر الغرب وفي أعقاب بدء الحرب منع استيراد النفط الروسي لتقفز أسعار النفط إلى معدلات لم يسبق الوصول لها منذ ثمان سنوات، الأمر الذى أضر باقتصاديات تلك الدول، وعلى رأسها أمريكا أكبر منتج للنفط بالعالم، فظن رئيسها جو بايدن بأنه يستطيع أن يحل تلك الأزمة بمجرد اتصال هاتفي مع المملكة العربية السعودية، يطالبها خلاله برفع إنتاجها من النفط للسيطرة على ارتفاع أسعاره، بايدن الذي قرر سحب منظومة الصواريخ باتريوت من الخليج، وقرر رفع منظمة الحوثي من على قوائم الإرهاب، وذلك في إطار محاولة إنجاح الاتفاق النووي مع إيران. ولكن يتفاجأ جو بايدن، بل ويصعق بعدم موافقة الأمير محمد بن سلمان على تلقي اتصاله؛ ليزداد وضعه سوءًا، فيسارع بإرسال حليفه البريطاني بوريس جونسون شخصيًا؛ ليهرع إلى المملكة ويقابل برفض طلبه، ليس فقط فى إشارة لتمسك المملكة بالوفاء باتفاق أوبك بلس، ولكن للتأكيد على عدم تبعية المملكة العربية السعودية لأمريكا، كما يشاع أو يذاع، ولكن تعتنق المملكة منهج التعامل بحرفية، ووفقًا لمصالحها ولما تراه مناسبًا. ويأتي الرد السريع من الغرب وأدواته فى المنطقة، حيث تبحث أمريكا رفع الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب، والذي يعد أهم عوامل عدم استقرار الأمن والسلم في المنطقة، كما قامت جماعة الحوثي بشن هجمات على المملكة، مستهدفين أرامكو النفطية، ولكن وبالرغم من ذلك، تظل المملكة ثابتة على مواقفها التي تتوافق مع رؤيتها ومصالحها، لا سيما مع الأخذ في الاعتبار إحراز المملكة تقدم كبير في تنويع مصادر تسليحها وزيادة تحالفاتها، بما يضمن أمنها واستقرارها على كافة الأصعدة.