سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عيد مدينتي كما لا تعرفون يخرج أهل المدينة البهية وهم يرتدون أجمل الملابس.. تكسو وجوههم ابتسامة الفرح.. يلتقون وكأنهم آتون من سفر بعيد.. فللقاء حرارة اشتياق، وهو تعبير خاص بفرحة يوم العيد
(عاد عيدكم وحبيبكم) هي العبارة الأقرب لقلوب الأبهاويين. حينما تشرق شمس ذلك اليوم تُشرق البشاشة على مدينتي وتلبس ثوبها الناصع تيمناً بقلوب أهلها البيضاء.. تصدح الأصوات مهللة ومكبرة لباريها. وتُفتح نوافذ المنازل وفيها بقايا ضوء من مساءات الفرح. تخرج منها روائح العيد. النساء في الداخل منذ الفجر يعملن على تجهيز ولائم العيد الأبهاوية (العريكة، المبثوث، المصبع، والحلى الأبهاوي المشهور (الرواني). وكلما اقتربت أكثر من أبوابهم عرفت أن العيد هنا؛ رائحة الألوان على جدران المنازل وشتلات الروائح العطرية ممتدة من الشارع مروراً ب"أحواش" المنازل حتى داخلها. (الريحان، البرك، النعناع، الوزار، الحبق). وكلما نظرت في ممراتها وساحاتها وأبوابها ونوافذها، تعرف أن لك شريكا حتى وإن كان جماداً.. معك في فرحك، في ابتسامتك وفي صباحك العيدي المميز. كل من حولك يتراقص فرحاً.. حالة من الترقب تبدأ من بدايات المساء، لتمتد بنا إلى ساعات الفجر الأولى.. نصحو على إيقاعات قلوبنا بنبض مختلف وكأننا ننتظر افتتاحية حدث مهم.. ونسمع أصواب الأبواب تفتح بصوت خاص.. ولكل باب نغمة خاصة، لأن من صنعها جعل بها نمنمات من الحديد مزخرفة تصدر منها. أصوات مختلفة؛ وهنا يخرج أهل المدينة البهية وهم يرتدون أجمل الملابس.. تكسو وجوههم ابتسامة الفرح.. يلتقون وكأنهم آتون من سفر بعيد.. فللقاء حرارة اشتياق، وهو تعبير خاص بفرحة يوم العيد.. يذهب الجميع إلى الصلاة يتقدمهم كبيرهم بالتكبير والتهليل وهم يرددون خلفه، وهناك لقاء الجميع في مسجد العيد وقد بدأت أشعة الشمس تملأ المكان.. ومن هناك يعود أهالي كل حي إلى حيهم آخذين بالمرور على كل منزل.. يتذوقون من طعامهم وشرابهم. وهناك فرحة أخرى تملأ المكان للأطفال من الأولاد والبنات بألعابهم وأهازيجهم وفرحتهم. وبعد نهاية زيارة الرجال تأتي النساء يتبادلن زياراتهن من منزل إلى آخر. وكأن ذلك اليوم صفحة بيضاء.. كلما نظرت إلى المكان وإلى الإنسان وجدت الصفاء في قلوبهم وأحاديثهم وابتساماتهم، حتى وإن حل الظلام بنهاية ذلك اليوم إلا أن الضوء باق من جماليات أول أيام العيد. وفي المساء هنالك لقاء سمر يجتمع فيه أهالي مدينتي بسمفونيتهم الأبهاوية.. يتراقصون طرباً في صفوف متقابلة. وألوان مختلفة من العرضة والخطوة واللعب والدمة، وقد تكون ليلتهم الأولى قصيرة عطفاً على يومهم الحافل الممتد من قبل طلوع الشمس، وفي اليوم الثاني تأتي زيارة الأقارب ومعايدتهم داخل المدينة أو في القرى المجاورة. ولن ينطوي الفرح، فهو امتداد ليومنا الأول بكل ما فيه من فرح وابتسامة ونشوة وطعم خاص في كل لحظة نعيشها، وقد خلق فينا أهلنا كل هذه الأحاسيس التي توارثوها من أهلهم الذين حرثوا الأرض بأهزوجة من فرح، وشيدوا البناء بأهزوجة عمل جمعتهم على قلب واحد تُغلفه المحبة والسعادة والرضا، وتنتقل بنا الأيام، بل الأعوام تاركة ذكرى العيد في مدينتي الأبهاوية، وكلما تذكرت عيد مدينتي أفرح، لأرويه لأبنائي (مثل الحنادي) حنادي العيد "أهزوجة عيد أبهاوية بلهجة أهلها": "العيد في أبها غير، والفرح غير، والوجوه الباسمة غير وكل شيء غير، فقبل أن يعلن العيد، نتباشر ونجتمع في سوق واحد ل"المقاضي". وكل إنسان يشتري بحسب قدرته.. "هناك ثوب سلك وثوب تترون وثوب صيني" ولابد أن تشتريه أطول من مقاسك، لأنه يقصر والمقاس من نوعه يشمر. والمهم أنه بكفه في الأيادي.. ويتحمل للوسخ واللون عادي.. والكناطف كشف ورباط وسستة.. والشباشب نوع ثاني.. والقبع تطريز ومنخل.. وشالكي فيه وردة.. والحلاقة صفر سادة.. ولمعة الرأس مثل قدر نحاس أمثال البلاطة.. وبعضنا يتفنن بالحلاقة فرق موضة ومسبسب والتواليت ولمعة كريم زيادة.. وفيه ناس فنهم زايد شوية.. لازم من لبس الحلك والكوت وميزته جيبه مخيط من عزيز وأبو حكمة ولا من كتف اليماني.. وفرحة العيد تأخذك من قبل يومين وزيادة في صهار البيت وخضاره... وعند تلميع الأتاريك وتجديد الفتيلة وطحين البُر وحيد ملسى من حيود وادي أبها للرضيفة والسوالف للأهل وجيران بيتك عند من يبدأ الفطور ولازم إلا بالحلاوى. وأكثر الفرحة على البخشيش يفرحنا زيادة. وكل حي وكل ساحة تنتصب فيها مراجيح الفرح في البحار وفي الخشع وساحة البسطة وفي القابل وكلها من خشب بعض العماير اللي سُلفه واللي سرقه واللي بالمعروف من شايف وغاغة. والمهم أبو الفتيلة الطراقيع منها أصلي ومنها من صنع الأيادي.. وفي الصباح نلتقي في مسجد العيد الكبير والوحيد ولبسنا كله جديد وكل حارة تحتلف رجالها ونسوانها وكل طفل وكل طفلة والتهاني عاد عيدك وعاد عيدش والله إن شاء الله يعيده.. وكل واحد وكل وحدة يتباهى بالملابس اللي غترة واللي ثوب واللي جزمة واللي كوت والبنات من الفرحة طاروا بالبزاليك والخواتم اللي ثوب واللي كُرته واللي منديل ولاّ مسفع. الله أكبر يا زمان أبها. ويا عيد. يا محلى زمانه".. عبدالله شاهر فنان تشكيلي