أنا لست مع الروس ولا مع أوكرانيا، ولا مع رئيسيهما، بل أشاهد مسرحية درامية من تأليف الخارجية الأمريكية، وكتب السناريو الCIA وأخرجها البنتاجون، أبطالها بايدن وبقية الدول السبع كمساعدي تمثيل، وبقية أوروبا ككومبارس. هؤلاء هم كما أراد المخرج جانب الخير في المسرحية، وهم الذين يقاومون رمز الشر بطل الفيلم من الجانب الآخر بوتين. طبعا وبين الخير والشر لا بد من ضحية، ألا وهو زيلينسكي الذي شاء أم أبى أصبح أوكرانيا كذلك، طبعا أوكرانيا كانت ضحية منذ سلمت سلاحها للروس وحلق لها الشرق والغرب «بالموس»، فبوتين غير الرؤساء الذين مروا على روسيا بعد أن أعلن ميخائيل جورباتشوف حل مكتب رئيس اتحاد الجمهوريات السوفيتة، وأعلن أيضًا استقالته من منصبه وذلك في 25 ديسمبر 1991، وأصبح بوريس يلسن أول رئيس لروسيا. وتعاقب الرؤساء حتى وصل بوتين إلى الرئاسة في عام 2000 حتى عام 2008 ثم حتى يستمر في الحكم ولو من وراء الكواليس جعل مديديف يدخل الانتخابات، هذا إذا كان أصلًا هناك انتخابات، ليصبح رئيس شكلًا وبوتين رئيس الحكومة، ثم انتهت مدته ليعود بوتين الذي أصلا لم يخرج، ومن ثم أخذها بوتين من قصيرها وغيّر الدستور، طبعًا بواسطة الدوما التي أصلًا هي برلمان يا سيدي أمرك أمرك يا سيدي، وما قاله البكباشي ماشي، وأصبح يمكنه البقاء في الحكم لمدة أطول. وأنا متأكد والبقاء لله، لو عاش سيمضي في الحكم إلى ما شاء الله. نعود لسلطة بوتين ويده الحديدية التي تعدت الداخل إلى الخارج كما حصل في سورية، فنزعته القيصرية لا تقف عند البرتوكول في العلاقات الدولية ومقولة «يا جاري أنت في دارك وأنا في داري»، لا، هو يريد أن يقول أنا هنا، وروسيا يجب أن تظل قطبًا فاعلًا، وليس مفعولًا به أو مجرورًا إلى عمل أو سياسة، بل لا بد أن تكون قطبًا مرفوعًا لا ينصب. وشعر الغرب بقيادة أمريكا بهذه النزعة، وطبعا هذا لا يرضي رجل الكوبوي الأمريكي، وإن كان ترمب يمثله أفضل من بايدن وإن ادعى ترمب العصمة، وأنه ما كان ليحدث ذلك في عهده، ولكن هي سياسة جمعية وليست رئاسية فقط، ولا يبعد أن يكون الأمريكان استعانوا بالخبث الإنجليزي لعنونة المسرحية التي سينتجونها للضحك على ذقن زيلينسكي وإن كان ما عنده لحية، لكن أكيد عنده ذقن، خاصة أنه عرف الملعوب بعد ما وقع في الفخ وبدأ يربي ذقنه، وكأنه يقول لقد عرفت الملعوب وربيت لكم ذقني لتضحكوا عليها براحتكم وبدون حرج، ولكن عيب لا تتركوني مسخرة، وهو يمكن قرأ في تاريخ العرب أن اللحية لها قيمة في تقاليدهم، والدليل على ذلك أنه عندما يمدح أحدهم الآخر يقول تراه لحية غانمة، ولكن نسي أن الغرب لا يربون اللحية ولا حتى الشارب ولا لها قيمة في ثقافتهم، والسبب حتى لا يحرجون لو أحدهم مسك لحية الرئيس وقال له أنا طالبك، كما يفعل العربان، وبالتالي لا يستطيع رد الطلب. أما عدم تربية الشارب فذلك خوف من مقولة شنب يقف عليه الطير والمشكلة إذا وقف الطير من يضمن لهم أن لا يبادر صياد ماكر بإطلاق النار عليه بحجة أنه طير لا غير. هكذا انضحك على زلينسكي وأصبح مجرد طعم لا أكثر، وتركوه يهايط ويثير حفيظة بوتين التي أصلًا ما تحتاج إثارة ففرد حمزة ثائر ثائر.. فزلينسكي الذي أصبح يصيح في من ورطوه في هذه الأزمة ولكن لا حياة لمن تنادي، وكأني بهم قالوا له وهم يتغامزون لا تشيل هم، نحن وراءك، لا تتفاهم مع بوتين، ومشت عليه وتصدى، ولكن عند الهيجاء تركوه لوحده وشعب أوكرانيا يقاتلون ويقلقون بوتين بالنيابة عنهم، وهم يرمون لهم ببعض الأسلحة والهدف ليس انتصاره الذي إن حصل وهذا بعيد المنال، لكن في كلا الحالين هو إنهاك للروس، ومحاولة إضعاف بوتين حتى يبطل شوفة النفس على حسب تقديرهم، وأكيد إذلال روسيا وأن تخرج بأكبر قدر من الخسائر وبالذات الاقتصادية والمعنوية بحكم أنها دولة معتدية، مهما كانت الأسباب التي اعتمد عليها لغزو أوكرانيا. أما زيلينسكي فإن هرب وإن قتل هو ورقة استعملت «وما عاد لها لزمة» وفي أحسن الأحوال ربما يمنحوه جائزة نوب، عاد شوف في الظاهر كبطل ومحارب أو في الباطن كمخدوع انطلت عليه ولا ينفع الكلام، وفي المنتصف يدفع الشعب الأوكراني الثمن فلا ناقة له ولا جمل في هذه الحرب التي فرضت عليه من الغرب قبل الشرق. لفت انتباهي تصريح لزينسكي يقول: «إننا نعرف من دبر هذه الحرب ونعرف كيف نرد، وهذا القول في قراءة فاحصة يعني قد انكشف له أمر ما، فلو على ظاهر الأمر فروسيا هي من أنشأ الحرب، «تصريح تحته خط وبعده علامات استفهام وتعجب». علي أي حال في خضم هذه الحرب لابد أن يستفيد منها البعض، فكما قلت في مقالي الأسبوع الماضي إن ماكرون سيستفيد لرفع شعبيته خاصة والانتخابات على الأبواب، وفعلًا حدث هذا، وأعلن ذلك، ويبدو لي أن جونسون يفكر نفس التفكير، فقد أصبح هو رأس حربة معركة القوة، كما كان ماكرون رأس حربة الدبلوماسية، وبايدن عراب من وراء الباب. هذه الحرب لا يعلم نهايتها إلا الله، حتى من أشعلها أو من يزيدها لهيبا لا يعلم ذلك بعد أن أخذت مسارات لا يتوقعونها. السؤال الخبيث هل كان زيلينسكي طعمًا؟، والسؤال الأخبث هل ابتلع بوتين الطعم؟.. والجواب عند الشاعر البحريني طرفة بن العبد الذي قال: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا *** ويأتيك بالأخبار من لم تزود