دائما ما تحمل رسائل وسائل التواصل الاجتماعي أنباء مؤلمة على نفوس المحبين، فكيف وقد حملت خطب وفاة عالم جليل وداعية نبيل كالشيخ محمد بن حسن الدريعي، -رحمه اللّه وأسكنه فسيح جناته-، الذي ودعه أهله ومحبوه في مشهد مهيب وجمع غفير من علماء ومشايخ وفضلاء، تقدمهم للصلاة عليه سماحة المفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ -حفظه الله-، ودفن في مقبرة الشمال بمدينة الرياض بعد صلاة عصر يوم الإثنين 21-6- 1443ه بجامع البابطين ودفن في مدينة الرياض، بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء في ميادين العلم والدعوة وخدمة الدين والوطن. تلك الحياة التي ابتدأت بولادته بمحافظة المجمعة عام 1358ه، لتجمع في صفحاتها صور الكفاح والأمل والعطاء والبذل، والعديد من المواقف والدروس، وقد دبجها ابنه البار الدكتور حسن في كتاب "ميادين الدعوة"، وهي بحق ميادين صدق وخير في رحاب العقيدة والإيمان والعلم والدعوة من خطب وندوات وإطلالات إذاعية وتلفزيونية لافتة ومؤثرة. إن أبرز ما يميز الشيخ الدريعي -رحمه الله- منهجه السلفي وسلوكه الوسطي في أداء حقوق جماعة المسلمين وإمامهم بالسمع والطاعة في المعروف والنصح والدعاء، وعنايته بالعقيدة الصحيحة وتثبيتها في نفوس العامة، وعدم إشغالهم بالقضايا السياسة عن ركيزة التوحيد وحقائق الإيمان، كما كان له دور مؤثر في تحذير الشباب من المزالق الفكرية والدعوات الهدامة، منفراً من الغلاة دامغاً لأفكارهم، مستلهماً في ذلك هدايات القرآن الكريم والسنة النبوية ومنهج السلف الصالح. نعم لقد كان همّه الدعوة إلى التوحيد، فكرّس معظم حياته للدعوة والتعليم، مسافرا إلى المدن والقرى في نهاية الأسبوع والإجازة، مشاركا في التوعية الإسلامية في الحج وفي ندوات الجامع الكبير التي يعلق عليها سماحة المفتي العام، إضافة إلى المحاضرات في المساجد والتي لاقت صدى وقبولا. والشيخ من العلماء الذين بذلوا أنفسهم في الدعوة إلى الله تعالى عبر الوسائل المتاحة والحديثة، فكان من أوائل مَنْ شارك في وسائل الإعلام واستثمارها في الدعوة، رغم تورع العلماء والدعاة في ذلك الوقت من ولوج هذا الباب، إلا أنه وبتشجيع من سماحة الشيخ ابن باز -رحمه اللّه- خاض غمار هذا البحر الخضم بما يمتلكه من إمكانات وقدرة على إيصال الأفكار للمتلقي، فكان سابقا لوقته وجيله في هذا المضمار الهام رفقة عديد من المشايخ الفضلاء، من أمثال الشيخ عبدالعزيز المسند والشيخ صالح السدلان والشيخ صالح اللحيدان -رحمهم الله- وغيرهم، إدراكاً منهم لأهمية الإعلام والاستفادة من شمولية وصوله لأكبر قدر من الناس، ينضاف إلى ذلك كونه -رحمه اللّه- من فرسان المنابر خطيباً مفوّهاً، وداعية مسدداً، ذا فصاحة وبيان، وصوت ندي بقراءة القرآن يهز المنابر بكلماته ويؤثر بثاقب بصيرته رغم فقد بصره. درسَ الشيخ في كلية المعلمين ومن ثم في جامعة الإمام، فكان أنموذجاً في حسن الخلق والورع مع أسلوب فريد في التعليم، وكان ذا عناية بعلم التفسير يجمع بين دقة المعلومة وترتيب الأفكار وسرعة البديهة. مجلسه لا يُملّ، ولا يخلو من فائدة علمية، وطرفة جميلة، فضلاً عن تواضع ولطافة ولسان عذب، وتبسط مع الجميع عامة وخاصة وجيرانا وطلابا يأنسون بلقياه، وكان كريماً مفضالاً يستقبل الضيوف والوفود ويحنو على الطلاب والفقراء يقضي حاجاتهم ويشفع لهم، ويجيب الدعوة، وصولاً للرحم مكرما للجيران. هكذا كانت حياته -رحمه اللّه- دروساً في الثبات على العقيدة واليقين وحسن الظن بالله، وفي مشهد مرئي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي قبل زمن عندما زاره عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح فوزان الفوزان -حفظه الله- لعيادته في المستشفى، والسؤال عن حاله، فكان جواب الشيخ -رحمه اللّه-: أنا مطمئن إلى ما عند ربّي، وأرجو أن نبقى على العقيدة حتى نلقى الله! فرحم اللّه الشيخ محمد الدريعي رحمة واسعة وغفر له وحقق فيه ظنّه بربّه؛ وأسكنه فسيح جناته وجزاه خير ما يجزي عباده الصالحين.