تتبارى الشبكات ووسائل الإعلام على اختلاف توجهاتها اليوم على كسب ثقة الجماهير، ولم تعد نصيحة جوزيف جوبلز: «اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس» تلقى الاحترام كما كانت في زمان «النازية»، حيث الإعلام الموجه، بل أصبحت وصفة مسمومة! ففي عصر الصورة والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي؛ لم يعد الإعلام مسطحاً ويعود السبب إلى دخول بُعد ثالث مؤثر للغاية لدرجة أنه قلب الموازين، وهو وعي الجمهور ونمط حياته، مما أتاح له قدرا هائلا من التنوع وفرّها التقدم التكنولوجي، وأصبحت له الحرية الكاملة في الاختيار من بين عدة بدائل، فلم يعد المتابع البسيط مضطرا لمتابعة وسيلة بعينها، بل صار المتلقي نفسه في الكثير من الأحيان منافساً عبر ما يعرف ب«صحافة المواطن». شح أو قلة المعلومات لم تعد المشكلة، بل سيل المعلومات والأخبار التي نتعرض لها على مدار الساعة، فصارت الأولوية لأهمية الخبر، ومصداقيته، وما وراءه، صناعة الحدث، وكسب ثقة الجماهير تمثل القمة، لكن الوصول لها والحفاظ عليها مرهون بالتمسك بقيم وأخلاقيات، ومبادئ الممارسة الإعلامية التي ترتكز على الأمانة لا السبق، والمصداقية لا الكذب، والمهنية لا الفبركة. إن أهم ما يشغل الناس اليوم مضامين الرسالة الإعلامية، ومحتواها، وما بين سطورها من أبعاد سياسية، واقتصادية، وانعكاسها على معيشتهم، وثقافتهم، وعاداتهم، وقناعاتهم وتقاليدهم، والأهم معتقداتهم وكلها باتت مستهدفة من قبل الكثير من وسائل الإعلام لإعادة تشكيلها، والتأثير فيها، وتوجيهها لخدمة أجندات، ومصالح قد تكون سياسية أو تسويقية أو حتى مذهبية وطائفية.. واليوم تدخل حلبة المنافسة الكثير من الدول التي صارت توجه قنواتها الناطقة بالعربية لمخاطبة العالم العربي، وتنفق عليها الملايين لخدمة مصالحها وأجنداتها. ختاما المتحكم اليوم في صناعة الإعلام وصياغة سياسته وفرز وسائله المختلفة هو وعي الناس القادرة على فلترة ما يتلقونه من رسائل إعلامية، لكن مع الأسف لا تزال الكثير من وسائل الإعلام منغمسة حتى أذنيها في وصايا «جوبلز»، وترى أن الجماهير قاصرة، ويمكن التلاعب بعقولها، والاستهزاء بوعيها، وغسل أدمغتها!