نعيش في طفرة إعلامية هائلة من خلال تعدد القنوات المختلفة كان لها الأثر الإيجابي المتمثل في نشر الوعى وتشديد الرقابة والمتابعة، على الرغم من التوجيه المسير الذي أحيانا يسيطر علي بعض هذه القنوات التي تهدف إلى تحقيق أهداف معينة في السياسة والاقتصاد، والذي دخلنا معهما في حرب خفية مستعرة من خلال الكلمة والصورة، وهذا ليس وليد اليوم، فهو قائم منذ فترة طويلة كانت بدايته مع الحرب العالمية الثانية التي شهدت دعاية إعلامية في توجيه العقول للحث على الحرب أو للتمجيد، أو لنشر الخوف والترهيب والتضليل والتلفيق، ولعل من برز في ذلك وزير الدعاية السياسة في عهد أدولف هتلر باول جوزف جوبلز الذي يعتبر من الذين تمرسوا في الحرب النفسية الإعلامية، وهو صاحب شعار (اكذب حتى يصدقك الناس). هناك الكثير من الوقائع والأحداث التي تم فبركتها لتحقيق هدف، وسوف نذكر هنا بعضها للمثال، ولنأخذ ما قام به الجيش الألماني في تبرير شن الحرب على بولندا، وهو قيام مجموعة من الحزب النازي بمهاجمة محطة إذاعة ألمانية قرب الحدود ارتدوا ملابس الجيش البولندي وتم نشر الخبر بشكل موسع، المثال الآخر هو قصة الجثث الألمانية المحملة في قطار دخلت بعض عرباته بطريق الخطأ إلى هولندا، والتي كانت وجهتها إلى بلجيكا، وكانت في الأساس عبارة عن جثث مرسلة إلى مصنع kadaver بالألمانية، وهو مصنع مخصص لتحويل الجثث إلى سلع حربية، فشنت الصحف البريطانية دعاية قوية على أنه يمثل أقصى درجات الوحشية التي تتمتع بها الحكومة الألمانية، وأنها تقوم بسلق الجثث الآدمية لتصنع منها (الحساء)، واتضح فيما بعد أن كلمة kadaver تعني لحم الخيول، ومن الأمثلة الأخرى وهو قيام الطائرات الأميركية في الستينات بالتجسس قرب الحدود الصينية، وبعد أن كشف أمر الواقعة من قبل الصين قامت أميركا بتسريب خبر مفبرك إلى صحيفة دنمركية بأن الطائرات كانت تقوم باستكشاف علمي من أجل التغطية على الحدث. في عصرنا الحاضر نجد هناك بعض الوسائل الإعلامية سواء تلفزيونية أو صحافة اكتسبت مع الوقت مصداقية في العرض والطرح، وأصبح يشار إليها على أنها مصدر موثوق في بعض الدول الغربية، ولكن مع الأسف كانت هذه المصداقية تركز فقط على الشأن الداخلي لبعض هذه الدول، وأذكر هنا ما قامت به وسائل إعلام أميركية أثناء التورط في الحرب الفيتنامية، حيث كان الحدث ينقل بمهنية صادقة أسهمت في انسحاب أميركا من الحرب بعد الاستياء الشعبي، ولكن عندما يتعلق الأمر بالشأن الخارجي فإننا نفقد هذه المصداقية، ولعل مقولة الرئيس ميخائيل غربتشوف خير مثال على ذلك عندما قال إن الذي أسهم في تفكك الاتحاد السوفياتي هي قناة (سي إن إن) أثناء حرب الفوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين عام 1982 امتنعت القنوات الإعلامية عن تغطية الحرب بالشكل المطلوب، وكان هناك منع من التغطية من قبل الحكومة البريطانية بدافع السرية العسكرية، ولكن حقيقة الأمر تبقى في إخفاء الأحداث عن الشعب والعالم. يضاف إلى هذا وهو الحاصل في واقعنا الذي مرت فيه الكثير من الأحداث والصراعات ابتداء من أميركا الوسطى إلى ما شهدته منطقتنا العربية في لبنان والعراق وسورية من أحداث مأساوية تعامل معها الإعلام الغربي، خاصة الأميركي، على نحو من الفبركة والكذب والتلفيق والتضليل المقصود من قبل صناع الرأي، ومن قبل الضغط الموجهة من الحكومات، الشيء المثير للعجب أو يمكن يولد السخرية هو أن الإعلام العربي يعتمد في بعض الأحيان على الأعلام الغربي عند التعاطي مع أحداث منطقتنا ويعتبرها مصادر موثوقة، وليت الأمر يتوقف عند هذا، بل يزداد سوءا عندما يحدث التراشق الإعلامي على خلفية تغطية إعلامية لحدث أو خبر في قناة إعلامية غربية، قد يعتقد البعض و(أستثني هنا أصحاب الاطلاع والمعرفة) في أن بعض القنوات جادة في الطرح والعرض، ولكن هذا يبقى عندما توافق توجهاتها آراءنا مع الأسف.