حقاً أبدع الشاعر المرهف الحس السالم، في نظمه هذه القصيدة العصماء الرائعة.. التي يقول فيها: منعوا الوصال فما يفيد دهاءُ وتعطَّلت عن جمعنا الأضواءُ أهوى الرضا في وجه كل مليحةٍ ورضاكِ ما بين النساءِ سخاءُ بنقاء وجهك رقةٌ وحلاوةّ وسماحةٌ وملاحة وبهاءُ حاولتُ أن أحظى بوصلكِ جاهداً عبثاً وما نفع السقيمَ دواءُ إن كنتِ تنوين القطيعة فانصفي لا تظلمي إنَّ الصدودَ بلاءُ منّي عليَّ بنظرةٍ وتحيّةٍ تجلي الهمومَ لتشرق الأجواءُ أهواكِ من قلبي وفيضِ مشاعري فهواكِ يسري في دمي إسراءُ فأنا أحبكِ فاشفعي لمتيَّمٍ حُرِمَ الرّقادُ وللهوى أرزاءُ وأحسب أن كوكب الشرق سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، لو بقيت على قيد الحياة، لسارعت إلى غنائها بصوتها الشجي، لجمال جرس كلمات القصيدة في أذن المتلقي.. ولعل الموروث الريفي بتقاليده المحافظة التي تمنع الوصال بالاختلاط، والتصريح بالهوى، هو ما حدا بالشاعر المبدع أحمد علي السالم أبوكوثر، بالجنوح نحو البوح بما يجول في وجدانه، من حس متوهج بنظم إبداعي، معبراً بصدق، عن واقع ذلك الحال، وملمحاً إلى تعلق هوى قلبه بتلك الحورية الخيزرانة، والتي تواطأ العذال على حجب التواصل بفرض التفريق، لتكون (ولادة) البعيدة الالتقاء، أيقونة تجلياته الوجدانية، بتلك الاستعارة التي ألمح إليها في قصيدته الرائعة، التي عكست اندماجه، وتماهيه العاطفي معها، باعتبارها مصدر إلهام كل إيحاءات تلك التجليات، رغم التباعد والفراق. وهكذا يفاجئنا الشاعر أحمد أبوكوثر على حين غرة، وفي كل مرة، بتحفة إبداعية، بهذه الأسلوبية الرصينة في توظيف حسه إبداعيا في قصيدته العصماء، وليصطف بهذه التعبيرية البليغة، بجدارة ومن خلال رشاقة حرفه، وبلاغة نظمه، ورهافة حسه، قامة إبداعية سامقة، مع فطاحل الشعراء، وكبار الأدباء، في الساحة الثقافية، والأدبية، العربية المعاصرة، كشاعر مقتدر، يشار إليه بالبنان ليرقى بها إلى مصاف مكانة جميل بثينة، وأصحابه، في إبداعه نظم شعر الغزل، بهكذا جزالة، وليحتل بهذا التميز الإبداعي، مكانة مرموقة بين صفوف طراز الجيل الأول من الشعراء.