اختلف الباحثون في الفرق بين نوعية الألم، بين ما هو حاد قصير الأمد، وما هو مشكلة مزمنة طويلة الأمد، فهم يفرقون بين الألم الحسي كألم الضرس والصداع بالرأس، والألم المعنوي كالألم من الخسارة والفشل. وبصرف النظر عما أبداه الباحثون، فإننا نشعر ونحس بأن هناك فرقا واضحا بين ذاك الألم الحسي الذي مصدره الصداع، والألم المعنوي الذي مصدره الحزن والأسى، وفي تقديري أن ليس كل ألم مكروها، وليس كل ألم ضارا فحينما يكون الألم نقطة تحول في حياتك، فإن ذلك يعد شيئاً محموداً، يقدمك خطوة وسط دائرة التغيير الإيجابي، ونكون بهذا التحول مدينين للألم، حتى وإن كنا نكره وقعه على نفوسنا. إن الإحساس بالألم يختلف من شخص إلى آخر، وفي عالم الأدب فإن الألم ليس مذموما مطلقاً، فهو الذي يحرك المشاعر والأحاسيس، ويفتح شهية الشاعر والأديب ليكتب ويعبر عن الآلام التي تصيبه، أو ليس ألم الهجر والصد أو الفراق، وكوي القلب بنار الحب، تكون مقدمات في صناعة منتج أدبي، سواء خرجت بصورة شعر أو نثر.!!. بعد هذه المقدمة أريد من القارئ أن يستعيد ذاكرته إلى الوراء، ليس لتخيل طعم الآلام التي عانينا منها في الماضي، ولكن للنظر إلى الألم الذي صهر مشاعر المتنبي، ودفعه نحو صناعة أدبية نتذوق طعمها «الحلو» إلى هذه اللحظة، ولك أن تتساءل ما الذي فعله ألم الفقر والعمى بالمعري، فلو كان غنياً وبصيراً لما رأيت لزومياته، ولا أعجبتك كلماته، ولكان شخصاً عادياً يتألم ويعبر عن ألمه بالتأوه، ويضرب كفيه على ما فاته من نصيب الدنيا. إن المقام لا يسمح لي بكثرة الحديث - ولو سمح - لعددت لك أدباء كثرا، أنطقهم ألم الحب حيناً وألم الحنين إلى الأوطان حيناً آخر، وألم الفقر وألم الفراق والهجران، إلى غيره من الآلام التي أنطقتهم أدباً، وإن كانت بالنسبة لهم تجربة حسية وعاطفية بغيضة، إلا أن الألم لعب فيها دوراً أساسياً في صناعة الأدب.