المعجِب في شخص هذا الرجل الأديب، أنه متعدد الجوانب والمواهب في علمه ودرايته بالثقافة والأدب والعلم والمعرفة والدين والشريعة، فأنت تجد له مؤلفات وكتباً ومصنفات في اللغة ككتابه (آراء في اللغة) و(الفصحى والعامية) و(ليس في كلام العرب) و(معجم الصحاح) - مقدمة هذا المعجم التي هي دراسة لمعجم الجوهري. أما في الشريعة فله كتب أمثال (وفاء الفقه الإسلامي بحاجات هذا العصر وكل عصر) و(الإسلام طريقنا إلى الحياة) و(الشريعة لا القانون) و(الهجرة) عن هجرة رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى المدينةالمنورة و(الإسلام دين الإنسانية). ومن هذه الكتب التي سردنا أسماءها وعناوينها يتضح فكر العطار الإسلامي ودرايته بالدين الحنيف، وعلمه بالشريعة الغراء. كما يعجبك من هذا الأديب أنه باحث متعمق في شؤون الكتابة اللغوية والبيان الأدبي والفكر الإنساني الشيء الذي جعله يعرض عن الشهرة وإنما مارس حياته في الكتابة والبحث ونتج من ذلك التسعون كتاباً بين مؤلف ومصنف ومعاجم وكتب. إنه باحث نسيه كتاب اليوم إلا من رحم ربك، والحق أن ذلك من دلائل العبقرية عند كتابنا أمثال العطار الذي استحق جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1403ه - 1983م كفاء أدبه وعلمه ومعرفته ودينه. إن العطار مفكر أديب وباحث أريب وشاعر مفلق ولغوي حجة في العربية والشريعة والأدب والدين. ومن روائع أفكاره الدراسات اللغوية والدفاع عن الفصحى لغة القرآن الكريم وبيانه المبين ويعجبك في ذلك إنثيال معلوماته في اللغة والشواهد الأدبية والمعارف العلمية التي بينها في مؤلفاته وكتبه ومصنفاته. وهذا بلاشك يعود لأسباب منها تحصيله العلمي القديم في المعهد السعودي وفي حلقات الحرم المكي وفي اطلاعه على أمهات كتب التراث ومصنفاتها في اللغة والشريعة والأدب والاقتصاد والفكر والبيان. فالعطار في ذلك حجة وثبت وداهية لأنه يملك أدوات التصنيف والتأليف وهذا من أسباب حيوية علمه وغزارة أدبه وفكرية ثقافته ولا ينبؤك مثل خبير. العطار عرفته من خلال مجالسه في داره يستقبل العلماء والأدباء والمفكرين أمثال محمد قطب ومحمد محمود الصواف وعبدالقدوس الأنصاري وحسين عرب وإبراهيم فودة. في هذه المجالس تبدو حيوية العطار العلمية التي يوشيها بالأفكار والمعلومات والآراء التي تجسد معرفته وبيانه. فلا أجمل ولا أروع من مجلسه وهو يضرب الأمثال فيه بالشواهد الثقافية واللغوية والأدبية. وعلى ذلك كان بيانه فصيحاً ولغته صائبة وفكره نيراً. حيث يتعمق ويسير في مسارات أدبية شيقة وبيانات لغوية جيدة وأساليب جد مقنعة. أحمد عبدالغفور عطار اسم يرمز لعلامة وفهامة في العلوم الإنسانية والأدبية والاجتماعية والدينية والشرعية، وهذا لعمري قمة الفكر والأدب والبيان، وقد وفرت بحوثه العميقة في اللغة ودراساته الأدبية المسافة البعيدة التي اختصرها العطار لطلاب العلم والأدب واللغة. وهذه ريادة أدبية ومعرفية بأمور الثقافة وشؤون المعرفة التي توسعت في كتب العطار وكتاباته. وهي على تعدادها الكثير واختلاف موضوعاتها الغفيرة والكثيرة، بحاجة إلى من يطبعها طبعات جديدة كي تخرج لأنظار الشباب والناشئة من أدباء اليوم والأجيال الصاعدة في لباس قشيب من الأوراق الكتبية التي تشكل كتباً جديدة إخراجاً وطبعاً. وإذا حصل ذلك مع العلم بحاجة دار نشر يعرف صاحبها أهمية هذه الكتب المفيدة والجيدة، وإذا تم ذلك فالفائدة ستتضاعف للقارئ وللناشر معاً. وإن من بركة العلم وجود المعلمين الممتازين الذين يشكلون قدوات للأجيال تلو الأخرى لا في العلوم فقط بل في الأدب والأخلاق والأفكار التي تزخر بها عقول روادنا من الأدباء والعلماء والمفكرين فيكون التلامذة تابعين لأساتذتهم في العلوم والسلوك والمنهج والطرق المؤدية إلى فوائد تلك العلوم والآداب والثقافة. إن الرواد الذين فقدناهم منذ سنين أجساداً لم نفقد أفكارهم وآراءهم وآثارهم فيما خلفوه في بطون الكتب والمؤلفات والذخائر التي كتبوها ونشروها عبر سني حياتهم، وما أحمد عبدالغفور عطار إلا واحد من رموز الرواد في هذه البلاد ولعلنا نذكر معه الأساتذة حمد الجاسر وأمين مدني ومحمد بن أحمد العقيلي ومحمد سعيد العامودي وعبدالقدوس الأنصاري وأحمد علي وأحمد جمال.. هؤلاء الذين مشوا في دروب العلم والأدب والفكر والرأي والثقافة والدين كانوا أصحاب مشاعل نيرة وقناديل معنوية مضيئة وكأنهم نجوم في سماء العلوم والآداب. لا بشراً يأتون ثم يؤدون رسالتهم ويمضون.. إنهم رموز للفضل والمكارم.. مكارم العلوم والأخلاق والانتاج الأدبي والبحث الثقافي. والمعرفة التي تنتج هكذا من الفوائد والآراء والأفكار والمعاني والقيم هي في واقع الأمر دلائل النجاح والفلاح في الحياة الدنيا، إنها قيم العلم والأدب والثقافة التي تسير العقول البصيرة والأفكار النيّرة والآراء المستقيمة ذات العرض والطول المعنويين. وأحمد عبدالغفور عطار هذا هو دربه وطريقه في حياته الأدبية والمعرفية التي نجح فيها قلباً وقالباً وتأليفاً وكتاباً. إنها المعرفة العلمية التي تتصدر المقامات في دنيا العلا والآمال، وما من شك أن الرواد أمثاله قد عانوا المتاعب والمشقات في سبيل تحقيق الآمال والأهداف والرغبات التي نالوها عبر طريقهم الطويل كديدن أي سالك يريد أن يصل إلى هدفه في النهاية، ولعمري فإن ذلك دونه خرط القتاد. ولكأن شوقي عناهم حينما قال: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا أو أن البحتري ينشد على ألسنتهم قوله: أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل أو ما قاله المعري: تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد على أنها أقوال فيها من الحكمة والتروي ما يحدث من الأمل بعد الألم والتعب والنصب ثم يليهما فرحة النجاح والفلاح. هكذا كان روادنا في الطموح لادراك المعالي بعد فهم المعاني التي تؤدي إلى ذلك، وهذا يحتاج إلى عدد وعدة والأمر هنا يعود إلى ما قاله الشاعر الأموي: وعلي أن أسعى وليس علي إدراك النجاح وإذا تشاجرت الرماح فإن أقلامي رماحي ولكني أقول إن روادنا قد أدركوا النجاح في عالمهم الفكري والثقافي والأدبي بحيث قد مضوا في راحة البال ونجاح الرجال.. والرجال هم الرواد هنا في شبه جزيرتنا العرباء وعروبتنا العريقة وديننا الحنيف. ولله في خلقه شؤون.