ما زلت أذكُر ذلك الشعور المصاحب لأول مقال نُشر لي في صحيفة الرياض، شعورٌ قوي البهجة، قد لا أتمكن من وصفه بدقة وعمق، لكنه بالتأكيد أضفى وأضاف لي شيئا ملموسا، وجعلني أشعُ نشاطاً وحماسةً، فذلك الشغف الحقيقي بالكتابة أتى بعد رحلةٍ من الأسئلة، والسعي الجاد إلى اكتشاف أي قُدرات دفينة تُكسب حياتي معنىً ساميا وقيمة نبيلة، فجزء أساسي من رحلتنا في الحياة أن نحقق غاياتٍ سامية، وأن نترك أثراً ملموساً جديراً بالاحترام. فكما ذكر مصطفى صادق الرافعي «إذا لم تزد شيئاً على الدنيا فأنت زائداً عليها». فقد خصّ الله كل فردٍ منا بملكة فطرية وموهبة متفردة لإنجاز أمر ما بأقل جهدٍ ممكن وأعلى نتائج ممكنة، وما علينا إلا أن نكشف الغطاء عن تلك الإمكانات المذهلة، وأن نسخرها لتحقيق رغباتنا، التي نريدها، لكي نستشعر السعادة الحقيقية. ولعل أول الطرق المعينة في رحلة الاستكشاف التي سنخوضها كما ذُكرت في كتاب «سبعة قوانين روحية للنجاح» للطبيب والكاتب الأمريكي ديباك شوبرا، هو بمبارحة تلك المنطقة القاتلة، التي تشجع على الراحة والدّعة، وأن نقرر الخروج من إرادة البقاء والعيش كآلات صماء إلى إرادة خوض حياة لها معنى، وأما ثانيها فهو بالمراقبة؛ نراقب ماذا يشغل تفكيرنا طوال الوقت؟ عَمَّ نتحدث معظم الوقت؟ وما الذي يُوقد شعلة الحماس فينا ويغذي أرواحنا؟ أن نستمر في طرح تلك الأسئلة الملهمة، التي توقفنا عن ترديدها منذُ زمنٍ بعيد، فلا ضير أن نطلق العنان لخيالنا ومشاعرنا؛ حتى يتجلى لنا ذلك الشغف الخاص بِنَا؛ لكيلا نستمر في العيش داخل أجساد متحركة بلا روح. وثالث الأمر يكمن في التجربة، فالشغف مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالجانب الروحي من شخصيتنا، وليس بالجانب المادي أو النمطي؛ حيث إنه يعتمد على التفكير الحر، ويتطلب حسا إبداعيا عاليا، كما هو الحال في كل الفنون المختلفة، فعلى سبيل الذكر لا الحصر؛ التصوير، الفن التشكيلي، الفن اليدوي، التمثيل، الموسيقى، الكتابة الإبداعي.. إلخ، من الفنون التي توقظ روح الإبداع في الإنسان، فالتجربة كفيلة بأن تكشف عن ذلك الجانب المبهم من شخصيتنا حتى لا يموت ويدفن داخلنا. أما آخر الخطوات فهي بممارسة ذلك الشغف كهوايةٍ يوميةٍ لكسر حدة الروتين المقيت؛ ولإضفاء البهجة والحماسة على حياتنا، ولا ضير أن يتحول ذلك الشغف إلى مشروع تجاري، يدُر مالاً على صاحبه، أو عمل خيري يكرس الإنسان فيه وقته لخدمة البشرية، وهو من أَجَلِّ المعاني وأعلاها أن يرغب الإنسان في إحداث فارق في حياة ملايين من الناس. إن داخل كل فردٍ منا إمكانات عظيمة وقدرات فطرية مذهلة، قد يقرر البعض أن يكشف عنها ليشع نوره على الآخرين، فيفيد ويستفيد، وقد يحبسها البعض داخل كهوف الظلام، فلا هو أفاد ولا استفاد. القرار يعود إليك دائماً، هل يرضيك مجرد البقاء على قيد الحياة بلا أثر، أم تريد البحث عن ذلك الشغف، الذي يكسب حياتك معنى ساميا وقيمةً نبيلة؟ Your browser does not support the video tag.