(شيطان نزار قباني.. عرفته من بغضه للأعراب. شنشنة نعهدها فيه، وفي أخزم)، هكذا رد الوزير السعودي غازي القصيبي -رحمه الله- في صياغة روائية محكمة وظريفة على تهكم السوري نزار قباني في بعض قصائده المسّيسة على أهل الجزيرة العربية، وهم عمود العربية الشامخ، وأصلها الراسخ. إن مسالك الانغلاق السياسي في لبنان الشقيق، وسيطرة حزب الله على الدولة ومفاصلها، وبالتالي تعطيل حكوماتها، أضرت بلبنان وعلاقته بالمجتمع الدولي، وبات توجه الحزب الأيدلوجي يؤثر على إبرة بوصلة الدولة الإستراتيجية، ويقودها إلى مزيد من العزلة. ببساطة لم تكن تصريحات قرداحي المسيئة للمملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي في دعم الشرعية في اليمن الشقيق مبنية على حالة غضب إنسانية يعيشها جورج قرداحي ويعانيها؛ يؤكد ذلك أن ما حدث في سوريا الجارة للبنان من مشاركة دامية لميليشيا حزب الله اللبناني في قتل الشعب السوري أمر لم يستنكره قرداحي ولم يجده عبثياً، بل قد سبق أن عبّر بسفاهة (عن موقفه من ميليشيا حزب الله وهل يعتبره مثلَ التنظيمات الإرهابية، فقال: أنه لا يقارن حزب الله بهذه المنظمات.. وأن حزب الله ليس مستورداً من الخارج إنه يكافح ويناضل منذ العام (82م) ضد إسرائيل، ولا نريد أن نجرّده من هذه التضحيات فعنده تضحيات كبيرة)!!. إن هذا الوزير اللبناني لا يفهم -وليس مطلوباً منه أن يفهم- معنى شرعية الدولة ومأزق الخروج عليها. خلاصة الأمر حالة الاستلاب التي يعيشها لبنان الشقيق هي أزمة لبنانية خالصة، فلبنان بسبب هذه السيطرة الميلشاوية انخرط عدوانياً بدول إقليمية دعماً لمشروع إيراني كبير! . وما يسمى بلبنان الرسمي لم يعد قادراً على اتخاذ أي قرار لمصلحة لبنان، وإنما يعمل وفق أجندة ميليشيا حزب الله الأيدلوجية. شعور أسود! للمتأمل، هذه التصريحات –القديمة والحديثة- مقرونة بتلك التناقضات، والضعف الحكومي اللبناني في التصدي لها لا يمكن إلاّ أن يعزوها لسببين جوهريين، أولهما يستند إلى الثاني بالضرورة، حيث يتعلق أولاهما: باصطفاف طوعي لكتل سياسية في لبنان مع ميليشيا حزب الله المسيطر على المشهد السياسي في لبنان. ويرتكز الثاني على كراهية وبغضاء ممتدة على محاورهم الأفقية والعمودية تشّربها ذاك الوزير كما تشّربها أقوام آخرون لم يدفعهم إليها سوى الحسد والحقد على المملكة العربية السعودية. ويبدو أن هذه الكراهية الواضحة ليست نقيصة مقدم برنامج المسابقات الثقافي «من سيربح المليون» الوحيدة! فتبين للجميع مدى ضحالته ثقافياً، وأن حصيلة الثقافي لا يتجاوز المقدرة على قراءة الأسئلة أو قراءة ما يُملى عليه ممن وضعه في الحكومة. نعم، رحمك الله يا غازي هذه الشنشنة عهدناها ونعهدها كذلك في اللبنانيين شربل وهبة وجورج قرداحي وغيرهما ليس بقليل!!. وحقيقة الأمر أن تلك الكراهية من جورج قرداحي، ومن ثم محاولات التبرير الباهتة لم تكن مستغربة! فباعثها معروف، ومتأصل في تلك النفوس الدنيئة، وقد أشار قديماً إلى ذلك -في أعجوبة فلسفية- الفيلسوف اليوناني أرسطو (384 ق.م - 322 ق.م) في كتابه الخطابة، حينما فرّق بين الغضب والكراهية بقوله إن الغضب يكون منصباً على الأشخاص، في حين أن الكراهية تتوجه نحو جماعات! وإن الغضب مهما طال فهو مؤقت وقابل للزوال، وتبقى الكراهية دائمة ومستمرة وتتمنى إلحاق الضرر بموضوعها. ولأهمية حالة الكراهية في العلاقة مع الآخرين، وكيف تظهر وتؤثر أفرد لها كذلك الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر (1905-1980م) في كتابه «الكينونة والعدم» مساحة جيدة في مجلده الضخم وسماها «الشعور الأسود»، وهو: (شعور يستهدف إلغاء شخص آخر – هذا الآخر عند سارتر هو كره لكل الآخرين من خلال شخص واحد - وينطلق باتجاه عدم القبول بالآخرين). إن الكراهية ليست خلافا سياسيا قد ينتهي بحلول أو حتى أنصاف حلول!، الكراهية لا تبتغي إلا الخلاص من الآخر!.