نهى الله سبحانه وتعالى عن تزكية النفس ومدحها بقوله: (فلا تزكوا أنفسكم) أي: تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم، (هو أعلم بمن اتقى)، كما قال: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا) [النساء: 49]. وقال مسلم في صحيحه: حدثنا عمرو الناقد، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن هذا الاسم، وسميت برة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تزكوا أنفسكم، إن الله أعلم بأهل البر منكم»، فقالوا: بم نسميها ؟ قال: «سموها زينب». وقد ثبت أيضًا في الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا خالد الحذاء، عن عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: مدح رجل رجلًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ويلك ! قطعت عنق صاحبك -مرارًا- إذا كان أحدكم مادحًا صاحبه لا محالة فليقل: أحسب فلانًا -والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدًا - أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك». ثم رواه عن غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء، به. وكذا رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، من طرق عن خالد الحذاء، به. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، وعبدالرحمن قالا: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث قال: «جاء رجل إلى عثمان فأثنى عليه في وجهه، قال: فجعل المقداد بن الأسود يحثو في وجهه التراب ويقول: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا لقينا المداحين أن نحثوا في وجوههم التراب». ومع هذا نجد من يرى نفسه ملاكا، ومن شعب الله المختار، يتألى على الله ويحتقر أعمال الآخرين، ويتهم الناس جزافًا، هو على الطريق المستقيم وهم مجانبون الصواب.. ولم يعلم المسكين أنه على شفا جرف، فالمسلم يكون بين الخوف والرجاء، قال: صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة أحد بعمله.. قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. لما تُوفي عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- قالت أمه: «شهادتي عليك أبا السائب لقد أكرمك الله»، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله أكرمه؟ فوالله وأنا رسول الله ما أدري ما يُفعل بي، ثم قال: وإني لأرجو له الخير» (رواه البخاري). أما حالنا اليوم فيندى لها الجبين، ويتفطر منها القلب وكأن أعمالنا في أعلى عليين، وربما أحدنا أدلى بعمله وأعجب بعبادته، فهو آمن على عمله لا مخافة عليه، وربما تصور أعماله، وتخيل أقواله، وإذا هي حسرة وندامة (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).