هل أكون مخطئا لو قلت إن الكثيرين من المثقفين، كتابا وقراء، يتفقون معي على أن الأعمدة والزوايا في جل صحفنا ومجلاتنا، بأطيافها كافة، لم تعد بالكفاءة والقوة نفسها كما كانت في وقت مضى، حين كانت تلك الأعمدة هي من تغري الكثيرين وأنا أحدهم لشراء الصحيفة أو المجلة في يوم معين، ترقبا لما سوف تحمله هذه الأعمدة من أفكار وإبداعات، تخطها أنامل كاتبي أو كاتبك المفضل، حيث تجد في الأفكار المطروحة من قِبله طوق نجاة مرة، وواحة غناء مرة أخرى؟!. إن القدرة الفائقة لبعض الكتاب، والحس الرفيع الذي يتمتعون به عند اختيارهم أفكارهم وموضوعات مقالاتهم، هما ما يزيدان من احترامهم وثقة الكثيرين فيهم ممن يتابعون إبداعاتهم. هذه الثقة وهذا الاحترام يحرضان المتلقي على تتبع نتاج هذا القلم أنى وجد، مما يخلق علاقة خاصة وجسورا ممتدة بين الكاتب وقارئه، التي لا أكون مبالغا إذا قلت إن تبعاتها قد تكون مؤثرة في حياة ومسيرة هذا القارئ أو ذاك. هذه النوعية من الكتاب، التي لا نخلو منها طبعا رغم قلتها تكتب بإحساس صادق نابع من القلب، مما يجعله حتما يصل إلى القلب. كما لا أنسى أن من مميزات هذه القلة أنها تصبح مرآة حقيقية لما يحدث في مجتمعها، فهي لا تعرف المداهنة ولا التملق، واضحة الرؤية، ثابتة على رأيها. فعند حديثها عن الهموم، تجد قلما نابها ملما بكل ما يدور حوله، سائرا في خط مستقيم لا يحيد عنه، حتى يصل بك إلى عمق المشكلة التي لا يتوقف عند تحديدها فقط، بل يتعدى ذلك حين يختار لها حلولا منطقية، يتبناها ويعرضها بلغة راقية مهذبة، تزيدك نضجا وثقافة. أما ما يحدث اليوم في غالبية الأعمدة الصحفية «الهشة»، فهو عكس ذلك كله، والغريب أن الموجة العاتية لم تترك لنا إلا القليل، أما البقية فقد أخذتهم معها بعيدا، حتى إنهم، وعلى الرغم من وجودهم، لم يعد أحد يراهم.