"إن لم تأتوا إلى الملاعب، نذهب بها إليكم"..كان هذا شعاراً رفعه منظمو دورة الألعاب الأولمبية الصيفية (لندن 2012)، وكان حلاً لتخطي أزمة الزحام وارتفاع أسعار التذاكر وندرتها، ولتحقيق مزج فريد بين الرياضة والسياحة في عز الموسم السياحي الصيفي، وكذلك إذكاء لروح الأولمبياد في كل ركن من أركان المدينة. عمدت لندن إلى نشر كثير من الشاشات العملاقة في الميادين والحدائق ومواقع الجذب السياحي، ونقلت عبرها منافسات كثير من الألعاب إلى العامة ممن لايريدون إهدار زمن تواجدهم في لندن بمتابعة المباريات، أو ممن لا يهتمون بالرياضة كثيراً. على بعد خطوات من جسر لندن، وقريباً من "المدمرة بلفاست" افترش زائرون ومقيمون العشب الأخضر، وتسمروا أمام شاشة كانت تنقل منافسات الجمباز للرجال والسيدات، صفقوا كثيراً لنجاح أبطالهم في تقديم عروض طيبة، وحولوا ذاك الركن إلى ما يشبه أجواء الملاعب من فرط الحماسة. كانت الشاشة على مقربة من محلات تقدم المشروبات الساخنة والباردة، والمأكولات الخفيفة، ولذا كان كثيرون يجدون في الأمر فرصة لالتقاط الأنفاس واحتساء كوب من الشاي، والتمتع بمتابعة المنافسة. غير بعيد عن تلك المتابعة، وضع المنظمون كراسي خشبية مريحة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وكانت تلك لفتة أخرى ذكية، كما كانت متعة المشاهدة مضاعفة في فضاء مفتوح مع مساء كان يقترب حثيثاً، وطقس تخلى عن الحرارة وعن الأمطار فتحول مع نسائم العصر إلى لحظات لا تنسى، فيها جمال الطبيعة، وإثارة المنافسة. قرع طبول قريباً على الجسر كانت أصوات الطبول تقرع، وتسترعي الانتباه، وبعد لحظات كان قارعوها يظهرون بلباس كوري جنوبي فلوكلوري، وسيوف تقليدية، يتقدمهم ركب يؤدي رقصات خاصة فيها الحماسة، وخلفهم ارتال من الشباب والصبايا بلباس تقليدي، يحملون أعلاماً صغيرة لبلدهم، فيما الورود تزين رأس الفتيات اللواتي ارتدين ملابس وردية اللون حولتهن إلى عرائس في ليلة احتفال بزواج. كان الوفد الكوري يضفي مساحة أخرى من الجمال على متعة المتابعة التي اكتملت معظم عناصرها.. ويعلن أن الحدث الكبير مناسبة ليس فقط للمشاركين الرياضيين، وإنما لجمهور رياضي يريد أن يكون جزءا من الحدث. أجواء رمضان "ها هنا نفتقد الأجواء الرمضانية.. لكننا نحاول تخطي الأمر".. هكذا علق الزميل ناصر العساف من الزميلة الرياضية ونحن نجلس على مائدة الإفطار. لم يكن العساف وحده الذي يفتقد الأجواء والطقوس الرمضانية التي اعتدناها في بلداننا، فقبل حديثه بساعات كان صديق يقول لي "هنا لا تشعر أن لرمضان تلك الحلاوة والطقوس الخاصة.. تصعد شقتك فلا تصادفك رائحة الطبخ التي تصل إليك في بلدك قبيل لحظات الإفطار". ويتغلب الوفد الإعلامي وموفدو اللجنة الأولمبية السعودية على الأمر بطريقتهم الخاصة.. هناك طباخ يتولى إعداد أطباق سعودية.. وقبيل المغرب بلحظات يبدأ الزملاء التجمع في قاعة خصصت لإفطارهم.. على أطراف المائدة يتبادل الجميع الحكايات.. يكسرون رتابة العمل، والبعد عن الأسرة في هذا الشهر الكريم ببعض الحديث، وسرد متاعب اليوم أو المصادفات غير المتوقعة التي واجهتهم فيه، ولا يخلو الأمر من بعض الطرافة التي تضحك الجميع. يقول أمين عام لجنة الكشف عن المنشطات بدر السعيد "تصبح عقارب الساعة بطيئة للغاية في آخر ساعتين من النهار.. تكاد تتوقف".. وذلك في معرض تعليقه على طول ساعات الصيام هنا في لندن. يؤذن للفجر تقريباً عند ال3.14 تقريباً، ويؤذن للمغرب في التاسعة ودقيقتين، ما يعني أن الصيام يمتد نحو 18 ساعة يومياً، وهو وقت طويل، خصوصاً لمن يبدؤون عملهم مبكراً منذ التاسعة صباحاً أو قبلها بقليل، حيث تنطلق المنافسات الأولمبية. ينال الزملاء بعد الإفطار والصلاة الجماعية قسطاً بسيطاً من الراحة قبل أن يبدؤوا جولة جديدة من العمل أو زيارة الوفود وبدء التحضير ليوم مقبل.