تحركنا إلى مركز قيادات السلفيين، وفي الطريق أفهمني مرافقي المتحدث الرسمي لقوى الدعوة السلفية اليمنية الشيخ مهيب بن سيف الضالعي أن أهل السنة في اليمن يرجعون إلى مشايخ الدعوة السلفية في كل صغيرة وكبيرة، موضحاً أن من أشهر وأشجع مشايخها في التصدي للباطل في اليمن الشيخ يحيى بن علي الحجوري، فعن رأيه يصدرون، وبتوجهه يعملون، كما أن لهم مشايخ علم سلفي في بلدانهم يتشاورون معهم. سألته عن الانتشار الجغرافي لأهل السنة السلفيين في اليمن، فأجاب: "هم ينتشرون في أغلب المحافظات اليمنية، فلك أن تتخيل عدد الدارسين في مركز دماج منذ نشأته على يد الشيخ مقبل بلغ عددهم 100 ألف دارس منهم العالم والتاجر والضابط وشيخ القبيلة والمدرس وإمام المسجد وغيرهم وكافة شرائح المجتمع انتشروا في كل أرجاء اليمن، ولا تكاد تجد ناحية أو حيا في مدينة أو قرية أو قبيلة إلا وتجد مسجداً أو أكثر لهم حتى في منطقة صعدة، إلا أن الحوثيين ضيقوا عليهم مما أدى إلى نزوح الكثيرين منهم، ويتواجدون بكثرة في المناطق الوسطى والمناطق الجنوبية وحضرموت ولهم حضور قوي ومتنام في العاصمة صنعاء، ولهم أتباع في أكثر المناطق الشمالية ولا يتسع المجال للتفصيل وذكر مساجدهم ومراكزهم لكثرتها بفضل الله". توقف مرافقي عند موقع عسكري بالقرب من هاون عيار 85، وفي أعلى الموقع قاذف بي 10، وهناك قابلنا الشيخ ناصر بن مسعود بن عبادة أمير الجبهة، سألته عن التضارب الحاصل في أسماء قادة الجبهات وأنها أصبحت مشكلة بالنسبة لي وطلبت منه توضيح قياداتهم فبين لي، أن للسلفيين قيادات ميدانية في الجبهات يرجعون إليهم وهم متفق عليهم مما جعل الأمور منضبطة بشكل هيكلية عسكرية، موضحاً أن أبرز قياداتهم الميدانية في كتاف يقودها الشيخ مصلح بن حمد بن الأثلة المشرف العام والموجه والداعم الرئيسي للجبهة، فيما يتولى هو قيادة الجبهات، ثم أبو الحارث جمال بن يحيى بن عمر النائب العسكري، وأبو حاتم الشيخ عبدالله الأشموري النائب الإداري، ويحيى بن صالح بن شويط الحاشدي قائد الميمنة، وحمزة العولقي قائد المقدمة والقلب، وأبو تركي عايض بن هادي الوايلي قائد الميسرة، وبشير بن سيف الصبيحي قائد كتيبة المدفعية، ويتولى الشيخ مهيب الضالعي مهمة الناطق الرسمي. فسألته: "من يدعمكم في حربكم هذه؟"، فقال: "أبرز الداعمين لنا هم الشيخ مصلح بن الأثلة هو الداعم الرئيس، وهناك الشيخ محمد موسى العامري، والشيخ محمد بن مانع، والشيخ حميد محمد مجلي (شقيق الشيخ عثمان مجلي)، والشيخ محمد الرميم، والشيخ حسين بن فضل اليافعي". فسألته: "هذا في كل الجبهات؟"، فقال: "لا هذا في كتاف أما في جبهة حجور فقد اتفق المجاميع وشيوخ القبائل على اختيار الشيخ أحمد محمد الزعكري (أبو مسلم الحجوري) قائداً للجبهة نظراً لطبيعة القتال المغايرة هناك التي تتخذ حرب العصابات أسلوبا للكر والفر على العدو فقد نجحوا في ذلك". حمل السلفيين للسلاح سألت بن عبادة: "ما الذي دفعكم إلى حمل السلاح ولماذا لم تتركوا الأمر للدولة؟"، فقال: "رفعناه بسبب تعدي الحوثيين على الناس هنا في صعدة وحصل منهم قطع للطرق وعمل نقاط تفتيش، وطرد محافظ صعدة المكلف من الدولة اليمنية، وغزوا بيوت الناس ودورهم ومراكزهم ومزارعهم وهجروهم بمن فيهم السنة والزيدية على السواء وكل من رفض مساعدتهم في مشروعهم الشيطاني الإيراني للاستيلاء على هذه المنطقة لإقامة دولة إمامة مزعومة تكون تابعة لإيران وتحاصر اليمن من الشمال الغربي وصولا إلى البحر قاطعة طريق حرض الاستراتيجي للاقتصاد اليمني وكل منافذ اليمن مع السعودية". وأضاف: "انظر ماذا حصل في دماج من حصار ومحاولة طرد أهاليها منها، فحمل أهالي صعدة ومن حولها السلاح للدفاع عن أنفسهم ونحن حملناه للدفاع عنهم ولرد الظالم، فتكون المبادرة منهم على أي هجوم مباغت وغدر من الرافضة، فيما كان قبل ذلك لا يحمله إلا أفراد معدودون لكن بسبب التواجد الحوثي وسيطرتهم على المنطقة وامتلاكهم لكل الأسلحة الفتاكة اضطروا إلى ذلك فالمشروع مرفوض أخلاقياً ودينياً ومن ناحية الأعراف". فكان سؤالي: "وأين الدولة؟"، فقال الضالعي: "الدولة في عهد صالح هي من أنشأت الحوثي وسمحت له بالنمو كما سمحت للقاعدة بالامتداد والتوسع للوصول إلى مرحلة خطرة أصبح من خلالها يطلب المال من مختلف دول العالم لتصبح مكافحة الإرهاب والحوثي عملاء إيران مصدر رزق له ولعائلته فيما كان الحوثي ينمو ويتوسع، ثم كانت الأزمة السياسية حيث انطلق الفريقان القاعدة والحوثي في محاولة للسيطرة على أكبر رقعة جغرافية فكان التصدي لهما من قبل القبائل والقوى السلفية التي حرمتهم من تحقيق أحلامهم في إنشاء دولتين على حساب الدولة اليمنية التي ندعمها للتخلص من هذين المرضين السرطانيين". مناطق الاحتكاك سألته عن بداية الاحتكاك بين الحوثيين وأهل السنة فقال: "في الحرب السادسة اعتدى الحوثيون على دار الحديث بدماج واستمرت الحرب ستة أشهر قتل فيها الكثير من أهل البلاد والطلاب ثم دخل أهل السنة في الصلح مع الدولة، وفي العام المنصرم تم الاعتداء من الرافضة على دار الحديث بالحصار والحرب وقتل 71 رجلا وامرأة وطفلا إلى غير ذلك من الخسائر المادية العلمية والبدنية"، مشيراً إلى "قرى تم تهجير أهلها منها تشمل غالبية بلاد صعدة لاسيما المناطق التي كان التواجد السني فيها ظاهراً مثل بلاد رازح وخولان وبلاد باقم وعاهم في حجة وغيرها كثير". وفيما تحدث الضالعي موضحاً في مداخلة منه أن بعض النازحين تم إيواؤهم من قبل تحالف القبائل والمجاميع السلفيين في مدينة صعدة، وبعضهم في مخيم المزرق جهة حرض، وبعضهم في مخيمات بصنعاء، ونازحو عاهم في الخميسين وبعضهم نزح إلى دماج، مشيراً إلى استيلاء الحوثيين على مساجد كثيرة جدا خاصة التي تتبع أهل السنة التي استولوا عليها أو هدموها في رازح وخولان وسفيان وفي أبود دوار بحجة وكثير من مساجد السنة في صعدة والمهاذر وغيرها. وقال: "هدمهم للمساجد وتهجيرهم لأهالي القرى وحصار بعضها الآخر هو ما تسبب في تجمعنا لرد المعتدي حتى لو كان من السنة فنحن تجمعنا للوقوف في وجه ظالم معتد دون النظر إلى مذهبه أو عقيدته أو قبيلته". سألت الشيخ بن عبادة: "ما هي مناطق الاحتكاك والتماس بين الجانبين؟"، فقال: "منطقة صعدة وما جاورها بشكل عام بما في ذلك مركز دماج رغم الهدنة لأن نقاط التفتيش التي يفرضها الحوثي تطوق المركز وتخنق المواطن اليمني هناك، إنهم يسعون لتكوين دولة ولن نسمح لهم بذلك رغم النقص الحاصل في السلاح والذخيرة، كما أن منطقة حجور من محافظة حجة هي من مناطق الاحتكاك حيث يحاول الحوثيون إرضاخ هذه القبائل لشدتها وفتكها بهم حيث شاركت في الحرب ضدهم في الكثير من المحاور حتى في حربهم مع السعودية انتصارا منهم لدولة التوحيد والسنة، ولا يستبعد أيضا أنهم يريدون السيطرة على مسقط رأس الشيخ الحجوري للخشية من نصرته. مواجهات مستمرة فقلت له: "هذه كل مناطق المواجهات؟"، فقال: "لا هناك مواجهات مستمرة في منطقة كتاف ببلاد وايلة، وهي جبهة قوية ومنظمة وقد استطعنا بفضل الله كسر شوكة الحوثيين فيها وألحقنا بهم هزائم متتالية ولا يكاد يمر يوم إلا وينزل الله نصره على أوليائه رغم قلة عتادهم وأسلحتهم وشح الموارد المالية بالمقارنة مع الحوثيين الذين يأتيهم دعم من الداخل والخارج، وهنالك عدة مناطق مؤهلة بفتح جبهة وفيها بعض الاحتكاكات كمنبه وباقم وغيرها". فاستفسرت منه عن الوضع الميداني في الجبهات فقال: "النصر بحمد الله حليف أهل السنة على كافة الجبهات ونسأل الله المزيد، ويلاحظ انهيار في معنويات الحوثيين وهذا واضح وملموس رغم تشجيعه لأتباعه بكافة الإغراءات ومع ذلك وجدنا انسحاب كثير ممن كانوا معه كقبيلة آل سالم وقبائل محافظة ذمار وغيرهم". الدعم اللوجستي فقلت له: "وماذا تحتاجون لدحر الحوثي والخطر الإيراني من شمال اليمن؟"، فقال :"نحتاج الدعم اللوجستي بجميع أنواعه، فالحوثيون متفوقون بالعتاد وبالخبرة وبالمال يشترون به ضعاف النفوس من مشايخ القبائل وغيرهم وأهل السنة بعكس ذلك لشح الموارد ونوصيكم وأنفسنا بتقوى الله عز وجل ونصرة الحق وأهله قال تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)، فنحن بحاجة ماسة لتوفير الدعم اللوجستي المطلوب إذ إن الديون متراكمة على الإخوة في الجبهتين، فحينما يتوفر الدعم المالي المطلوب سيتم حسم المعارك لصالح إخواننا في فترة وجيزة على أن يتم الإشراف من موثوقين على عملية الصرف حتى لا نفرخ بهذا الدعم "تجار حرب" ينعكس سلبيا على الأمن المنشود في كلا البلدين هذا على الأمد القصير". دخل علينا آنذاك بشير بن سيف الصبيحي قائد كتيبة المدفعية، الذي كان يضحك وهو يسلم علينا ويقول لقد دمرنا رشاش 23 كان يستهدفكم طوال الوقت، فكان سؤالي له: "ماذا تحتاجون على المدى البعيد"، فقال: "علينا تمويل ودعم وإنشاء المزيد من مراكز أهل الحديث يتم اختيارها بعناية على غرار مركز دمّاج الذي كشجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فالعلماء الثقات هم الحصن الحصين بعد الله في صد دعاة الفتن والتحزب والفوضى، وكذا تشجيعهم وتدريبهم على وسائل التقنية الحديثة للتواصل مع أكبر شريحة ممكنة لتبليغ المنهج السلفي الأصيل لهم ومنها إنشاء إذاعة على موجات ال FM فالإذاعة هي الأكثر تأثيراً في اليمن خاصة، ثم مساعدتهم في طبع كتبهم ورسائلهم ومؤلفاتهم أو إيجاد دار نشر تقوم بذلك فمواردهم شحيحة والله المستعان". وبين أن الدعم يجب أن يكون حاضراً في اليمن كونه دعما للمنهج الصحيح الذي سيكون من ثماره ربط الناس بالعلماء الثقات لتأليف قلوب الناس على ولاة أمورهم وتفويت الفرصة على دعاة الضلال والحزبيات والاضطرابات والفوضى". وسألت الصبيحي عن علاقتهم بالعلماء في السعودية، فقال: "نعمل على تعميق العلاقات معهم من خلال إيجاد وسائل دائمة وفعالة للتواصل بين علمائنا في اليمن وعلماء المملكة وبين رموز الدعوة السلفية باليمن وغيرها والاجتماع الدوري مع أهل الحل والربط فمتى ما تعزز هذا التقارب نتوقع أن يسود الأمن والازدهار ونتج عن ذلك نهضة الأمة". وحذر من تآكل جبهة كتاف وغيرها من الجبهات التي تقف في وجه المشروع الصفوي (على حدّ وصفه)، وقال :"أخشى ما أخشاه أن تتآكل جبهة كتاف والذي لم يبق منهم إلا 500 مقاتل من أصل 2500 أيام حصار دماج نظراً لانشغال كثير من المجاهدين برزق أهله وذويه لعدم صرف مبالغ مالية تسد احتياجات أهله وذويه في غيابه وهذا من أهم أسبابه عدم وجود الدعم اللوجستي المناسب للمقاتلين ولو استمر هذا التآكل وهذا ما يتمناه الحوثي والقاعدة الإرهابيان معاً، والأخطر من ذلك أن إرهابيي القاعدة سيحلون محل الإخوة السلفيين وهذا ما صرحوا به مرات عديدة وهم يصولون ويجولون حولهم في بلاد وايلة ولهم بعض القيادات فيها ولم يجدوا من فضل الله موطئ قدم لهم في الجبهة حتى الآن بسبب تحصينها بالعلماء والمشايخ الذين يعرفون فساد منهجهم ويحذرون منهم إذ إن الدروس والمحاضرات وزيارة العلماء لهم لم تنقطع والحمد لله". المجاميع السلفية انتهى الحوار وتحركنا باتجاه مركز قيادة المجاميع السلفية حيث قال لي مهيب: "أخي عمر الرجاء عدم تصوير المركز حتى لا يتم تحديده من قبل الأعداء لأن هذا الثغر هو من ثغور الإسلام وأن هذه المجاميع المباركة هي هبة من الله لحماية البلاد الإسلامية من خطري القاعدة والحوثيين وحماية العقيدة الصحيحة في البلاد اليمنية وتقوم بمهمة اجتثاث وإحباط المخطط الصفوي وإسقاط أحلام إيران في إيجاد رقعة جغرافية تنفذ من خلالها أجنداتها ومنها تصدير القلاقل والفتن إلى بلدنا بلاد الحرمين وتكوين دولة إمامة صفوية على الحد الجنوبي للسعودية أو السيطرة على اليمن كله من خلال السيطرة على منافذه مع السعودية أو من خلال مشروع سياسي". سألته: "ما هو مشروعكم بعد إنهاء القتال والحصول على أهدافكم من القضاء على الحوثي والقاعدة؟"، فقال: "بعد إتمام المجاهدين مهامهم القتالية سيعودون إلى مساجدهم والانخراط في دروسهم وثني الركب عند علماء السنة وهذا أسمى غاياتهم فقتال الحوثيين ليس بغاية عندهم إنما وسيلة لصد العدوان عنهم وكذا تسليم ما بحوزتهم من أسلحة وهذا ما نتعهد به". دخلت مركز القيادة وهو خيمة معدة لهذا الغرض فيها أجهزة اتصال ورشاشات ومحمية من جميع الجهات ومؤمنة تتولى الاتصال بالقادة على طول الجبهة التي تمتد لنحو ثلاثين كيلومترا، وطلب قائدها ألا أذكر اسمه أو أصوره لأن التصوير حرام كما قال.