الصلاة في جامع "المعمار" في المنطقة التاريخية تشبه قصة متوارثة من الأجيال يمتد عمرها لأكثر من 340 عاماً.. كل زاوية فيه تحكي تاريخاً منفصلاً عن الأخرى. يشبه في سقوفه الخشبية وقناديله طراز تصميم الجامع النبوي الشريف بالمدينة المنورة قبل 60 إلى 70 عاماً. ورغم اختلاف المصادر التاريخية الموجودة في بطون الكتب القديمة التي تحدثت عن تاريخ بناء الجامع الذي قيل إن بناءه تم على أحد الولاة يدعى "مصطفي معمار باشا"، والتي تقول إنه بني في 1263 هجرية وجدد في 1284هجرية، لكن التاريخ المحفور على المحراب كان في 1093 هجرية، مما يعني أن عمره الزمني قرابة "430" عاماً، وسمي المسجد بالمعمار نسبة إلى من بناه. يقع الجامع في نهاية شارع قابل (المعروفة باسم برحة نصيف)، وهو مسجد كبير ومرتفع كثيراً عن مستوى الشارع، والذي بناه كان يصلي فيه بانتظام، حينما كان والياً على جدة، وتقام فيه صلاة التراويح منذ ذلك الحين ولم تنقطع إلا قليلاً. وتشير المصادر التاريخية التي استطلعتها "الوطن" إلى أن البحر كان ملاصقاً للمسجد من الجهة الغربية وكان المصلون يتوضؤون من ماء البحر.. مؤذن الجامع لأكثر من ثلاثة عقود العم خالد عبدون الذي وصلنا إليه عبر سؤال جيران المسجد عنه، ووجدناه في محله المتخصص في بيع العود والبخور، أشار في حديثه إلى "الوطن" إلى أن الأئمة الذين توافدوا على إمامة هذا الجامع خلال القرن الرابع عشر الهجري هم السيد المرزوقي، والسيد حسن عساس، والسيد صالح قنديل، والسيد علي بن أحمد العقيلي، وآخر الأئمة الحاليين هو الحسن نجل علي العقيلي. وتذكر المصادر التاريخية أن أشهر مؤذنيه هما عبد الوهاب أبو حجر ومحمد صالح ريس. شخصيتان ما زالتا عالقتين بين جدران الجامع ويتذكرهما العم خالد عبدون الذي جاور المنطقة لأكثر من خمسة عقود، وقد قاما بترميم المسجد منذ القدم، حيث تشاهد آثار ترميمهما في أعمدته الخشبية والحزام المنقوش عليه الآيات القرآنية، وهما الشيخان حمزة جمجوم وعبد الرحمن نصيف، رحمهما الله. الوصول للجامع يتم بطريقتن وفقاً للجهات الجغرافية التي يأتي إليها المصلون، فمن جاء من جهته الشرقية يكون عليه الصعود بالدرج، ومن أتى من الجهة الشمالية يصل لمدخله مباشرة دون الحاجة لصعود الدرج. وهذا من السر المعماري الذي يتحدث عنه جيران "جامع المعمار". وحينما تتحدث عن جامع "المعمار أو تثير الأسئلة حوله فما عليك إلا أن تسمع بكل وضوح اسم العم أحمد عبد الله عبد السلام الذي يلقبونه ويلقب نفسه هو أيضاً ب"خادم بيت الله"، وهو القائم على نظافة الجامع والاهتمام به لأكثر من 62 عاماً، ويبلغ من العمر اليوم قرابة "83" عاماً، وبدأ خدمته للجامع منذ 1371 هجرية، وهو بمثابة "الصندوق الأسود" الذي يعلم كل شاردة وواردة حول تاريخ الجامع. إلى هذا اليوم يحتفظ الجامع بمستودعه تحته، والذي يسمى بمستودع "الحرمين"، حيث يقول المرشدون السياحيون الذين قابلتهم "الوطن" في ذلك المكان إنه كان يستخدم لحفظ "عطور وشموع" المسجد النبوي الشريف، ويضيف خادم المسجد العم أحمد أنه كان يحتفظ في المستودع بالهوادج القديمة الخاصة بالجمال لحمل النساء عليها، لكنه اليوم أصبح فارغاً وتجري عليه حالياً عمليات صيانة، وتسمع هنا تمتمات كلمات من الجميع أن المستودع كان "شاهداً على خدمة البيتين". وحتى اليوم يحتفظ الجامع ببعض ملامحه القديمة كالمكبرية التي يؤذن من فوقها وتردد التكبيرات خلف الإمام، والسقوف الخشبية العتيقة، وبئرين للماء عمقهما 4 أمتار وطولهما 7 أمتار، وهما جزء من التراث الذي لا يزال يحتفظ ببريقه لليوم، أضف إلى ذلك كما يقول مؤذن المسجد أن الجامع مقصد سياحي مهم للوفود السياحية التركية الذين يزورونه باستمرار خلال العام الواحد معجبين بطراز معماره.