قد يستغرب البعض هذا العنوان ويتأمل واقعيته من عدمها وصدقه من خرافته ولكنه ينم عن حقيقة وواقع نراه كل يوم في مشاهداتنا اليومية وممارساتنا الحياتية. وتكمن الحكاية في قصة ذاك المعلم الذي دخل على طلابه وطلب أن يرسم كل واحد منهم حلم حياته على ورقة ويحولها إلى لوحة فنية معبرة، فاجتهد ذلك الطالب الألمعي في ترجمة حلمه إلى لوحة مرسومة رائعة. وبعد أن انتهى قدمها إلى المعلم وقال له ذاك حلمي الذي سوف أظفر به ذات يوم.. فنظر إليه المعلم ثم تأمل اللوحة ووجده قد رسم مزرعة كبيرة للخيول تحتوي على أعلى التجهيزات وأكبر المساحات وجميع الخدمات. فتمتم المعلم قليلاً وهزئ بالطالب وقال له: نريد أن ترسموا لنا أشياء واقعية مقبولة وليست شطحات لا أصل لها ولا معنى فهذه أحلام وردية وسوف تبقى أحلاماً!! حاول الطالب شرح الفكرة للأستاذ وأنها واقعية في نظره ولكن المعلم قمعه بكل أسف ولم يكتف بذلك بل أضحك عليه الطلاب وسخر من حلمه ومن أفكاره أمامهم. دارت الأيام والحلم يطرق عقل ذاك الفتى الهمام فعمل من أجله وخطط ونفذ وصبر وضحى وقرر أن يحصل على مراده بالتدرج وفعلاً كان ذلك، وبعد 20 عاما تمكن من تحقيق حلمه في امتلاك مزرعة نموذجية كبيرة لتربية الخيول ليس لها نظير، ولم تكن مصادفة أن كانت ترجمة دقيقة لتلك اللوحة الخالدة التي احتفظ بها وعلقها في مدخل البيت ليراها كل يوم. مرت الأيام وتلقى ذلك الفتى الطامح الذي أصبح رجل ناجحاً ومتألقاً في حياته وأعماله خطابا من إحدى المدراس لتنسيق زيارة للمزرعة حيث ذاع صيتها وانتشرت أخبارها وبدأ الناس يتسابقون لزيارتها، وفعلاً وافق وحدد موعداً، وفي ذات الموعد استقبل جموع الطلاب الذين تقدمهم ذاك المعلم الذي يشرف على الرحلة وفعلا كانت صدفة غريبة وعجيبة للطالب والأستاذ. وبعد الترحيب بالطلاب ومشرفهم عرف بنفسه وقال لهم لقد كنت يوماً طالبا مثلكم وكنت بين خيارين إما أن أحلم وأطمح وأكافح لأعيش الحياة التي أريد وأختار أو استسلم قبل أن يبدأ النزال وتتحول حياتي إلى تمنيات لا يدعمها عمل أو محاولة أو نتائج، وها أنتم ترون النتيجة التي جعلت الكثير يريدون زيارة المكان ووسائل الإعلام ما توقفت تكتب عن التجربة. وأنا أمامكم جميعاً أشكر مشرفكم فلقد كان أستاذي قبل ربع قرن وعندما أطلعته على حلمي هزأ بي وسخر وقلل من فرص نجاحي، ولكن ما زادني ذلك إلا تحدياً ورغبة فأصبح الحلم مشتعلاً بداخلي وراهنت على تحقيقه وفعلاً فعلتها، فالحياة بلا أحلام قاتمة مملة كئيبة. وماهي إلا لحظات حتى بكى المعلم أمام الطلاب معتذراً ومعترفاً بخطئه متذكراً الموقف وقال اغفر لي ما صنعت، فلقد حاولت أن أسرقك.. فبهر الطلاب من هذه الصراحة وقالوا ماذا كنت سوف تسرق أيها الأستاذ؟؟ قال إنني كنت سارق الأحلام له وللكثير من طلابي بكل أسف. تعلم الطلاب ومعلمهم درساً حياتيا لن ينسى وأصر الطلاب على أن يأخذوا صورة تذكارية مع الصورة الحلم وصاحبها قبل أن يغادروا هذا المكان الملهم. هذه القصة تحلق بنا بعيداً لمواقف مرت أو قد تمر على الكثيرين حين يطرحون أحلامهم وتوجهاتهم ورؤياهم المستقبلية ويقابلهم الطرف المقابل بالسخرية أو التهميش أو التحطيم، وهو موقف أعتقد أن الغالبية مروا به ومن هنا فالإنسان الناجح الذي نراهن عليه هو من يكسبه هذا التحطيم قوة وتحديا ويجعله صامداً أمام الرياح والعقبات. فقد تأتي السخرية من الوالدين أو الأصدقاء أو المعلمين، وقد تأتي من الصوت السلبي الداخلي لديك الذي يردد دوماً لن تنجح، صعب، مستحيل، غير ممكن! وهنا علينا أن نبني الأسوار بيننا وبين كل هذه الطاقة السلبية القاتمة التي سوف نقهرها بالتفاؤل والعمل الجاد والصبر على التحديات والصعوبات والصمود الدائم أمام كل من أراد أن يسرق أحلامنا أو يضعف عزائمنا أو يضربنا في مقتل. فأنت مخير بين أن تسمع لهؤلاء السلبيين والمثبطين ونتيجة ذلك خسران الحياة ورفع العلم الأبيض من البداية؛ حيث حياتك ستكون بلا طعم أو لون أو رائحة، أو صد كل طرح غير مسؤول أو سلبي بحائط الثقة بالله ثم بالنفس القادرة على صنع المستحيل إذا فعلت الأسباب. أحلامنا هي كنوز المستقبل التي تحتاج منا الحراسة واليقظة والفطنة، فإذا قبلنا أن تسرق فنحن قبلنا أن ندفن ونحن أحياء لا محالة.