من المعروف أن للمستشرقين عناية كبيرة بنشر كتب التراث الإسلامي بعامة، غير أن جانب تاريخ القرآن الكريم على وجه الخصوص وكتابته وجمعه، قد لقي عناية خاصة. فأكثر من كتب في تاريخ القرآن للأسف من المستشرقين مثل: ريتشارد بل في مقدمة القرآن، ودبليو منتجمري واط، وريجي بلاشير، وجون بيرتون، وآرثر جفري في المفردات الأجنبية في القرآن، ونشر كتاب "مقدمتان في علوم القرآن"، وثيودور نولدكه الألماني في كتابه تاريخ القرآن. ويعد كتابه من أشهر وأهم ما كتب في تاريخ القرآن، وجولد زيهر. أو من غير أهل السنة كالزنجاني صاحب تاريخ القرآن. والعجيب أن الذي طبع كتابه هذا أول مرة هو المجمع العلمي في ميونخ بألمانيا عام 1935م. حتى إنه يقول في مقدمة كتابه: "وفي هذا العصر قامت ألمانيا بعمل عظيم محمود، ذلك أن المجمع العلمي في ميونخ بألمانيا، يعنى اليوم عناية خاصة بالقرآن الكريم، فقد عزم على جمع كل ما يمكن الحصول عليه من المصادر الخاصة بالقرآن الكريم وعلومه، وأدلى هذا الأمر إلى الأستاذ برجشتراسر الذي كان قد بدأ بالعمل في حياته، فلما توفي سنة 1933م عهد المجمع بالسير في هذا المشروع إلى العالم أوتو برتيزل أستاذ اللغة العربية في ميونخ " أه. وقد اعتنى هؤلاء المستشرقون بنشر كتاب التيسير لأبي عمرو الداني، والمقنع في رسم مصاحف الأمصار مع كتاب النقط للداني، ومختصر الشواذ لابن خالويه، والمحتسب لابن جني، وغاية النهاية لابن الجزري في طبقات القراء، ولا تزال طبعته هذه هي المعتمدة! وكتاب معاني القرآن للفراء، وغير ذلك من الكتب التي تبحث في هذا الجانب من الدراسات القرآنية. كل هذه الجهود رغم أهميتها، تثير الشك في سبب عناية هؤلاء المستشرقين بتاريخ القرآن، وقد كتبت دراسات كثيرة، ولله الحمد، حول أعمالهم وتحقيقاتهم ونشرهم لكتب التراث بعامة، وكتب الدراسات القرآنية بصفة خاصة، من أهمها فيما اطعلت عليه ما كتبه الدكتور عمر رضوان بعنوان "آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره"، في مجلدين، وهي رسالة دكتوراه حصل عليها من قسم القرآن بكلية أصول الدين بالرياض. وقد وجدت لفتة لهذا الأمر للشيخ الجليل، عبدالله بن يوسف الجديع في كتابه الممتع المقدمات الأساسية في علوم القرآن، يقول فيها: "ومنذ سنين طويلة وأنا أتساءل عن سبب حرص المستشرقين على الكتب التي صنفها بعض علماء الإسلام فيما يتصل بنقل القرآن، ولا أجد الجواب يرجع إليَّ إلا أن هؤلاء حاقدون على دين الإسلام، لهم مقاصد سوءٍ، يبحثون عن طريق للطعن على القرآن، فتراهم أول من اعتنى مثلاً بنشر كتاب المصاحف لأبي بكر بن أبي داود السجستاني. وهو كتاب مفيد للمشتغلين بالعلم، مصنفه إمام ابن إمام، فقصد هؤلاء إلى نشره وترجموه إلى بعض لغاتهم، ظناً منهم أنهم وجدوا فيه بعض مرادهم، لما تضمنه من حكاية قصة جمع القرآن والمصاحف التي كانت عند بعض الصحابة مما فيه اختلاف حرف أو ترتيب عن مصاحف المسلمين، وقد شرحتُ أنه ليس من ذلك شيء فيه مطعن على القرآن العظيم. وهؤلاء المستشرقون مساكين كإخوانهم من أهل البدع، لا يدرون ما الأسانيد، ولا يميزون صحيح نقل من سقيمه، فجميع الأخبار المحكية عندهم مسلمات، وإني لأعذرهم في ذلك، فإن اليهود والنصارى قد حرموا الإسناد، واختصت به هذه الأمة الوسط، فأنى لهم أن يفهموه ؟! قلت: صدق الشيخ الجديع، وفقه الله، فكثير من الشبهات التي أوردت على القراءات وجمع القرآن ورسم المصحف منشؤها هؤلاء المستشرقون في كتبهم تلك، وفي تحقيقاتهم. وكتاب مذاهب التفسير الإسلامي لزيهر من أشهر الكتب التي انشغل المعاصرون بالرد على شبهاتها، وفي تحقيقاتهم - على حرصهم وتحريهم حتى لا أظلمهم - كثير من الدس والشبهات، والله المستعان.