غير عابئ بلهيب الأرض وحرارة الصيف الحارقة وبين أنقاض أسوار مهدمة كان جالسا يخط بأغصان يابسة على صفحة التراب، مشهد استوقف فريق "الوطن" أثناء جولته بمدينة صامطة، ودعانا للاقتراب بأسئلتنا من ذلك الطفل حين أبصرنا على وجهه تضاريس ألم وشقاء وحزن يتناثر في كل نظراته، شعرنا معها بحاجتنا لمفردات جديدة بمقدورها ترجمة كل ما يرتسم على ذلك الوجه الطفولي الجميل من صور البؤس والحرمان.. فهل كان يلهو حسن الذي لم يكمل ربيعه الثامن في ذلك الصيف اللاهب؟ لا ندري.. لكننا سرعان ما اكتشفنا أن تفاصيل المكان من حولنا ترسم مشهدا غريبا لأسوار مهدمة داخل قرية الركوبة شرق مدينة صامطة. سر الطفل لم تمض سوى دقائق حتى جاء من أقصى الخوف والقلق عليه بعض أهله، وعلى الرغم من مناداتهم له إلا أن حسن ظل جالسا في مكانه، ليتجه إليه أحدهم لإقناعه بالعودة إلى المنزل.. فسألنا ذلك الشخص هل أنت والده؟ فأجاب: أنا خاله.. حينها بدأت تفاصيل قصة الطفل حسن تتكشف على لسان خاله محمد الذي أخبرنا أن حسن يخرج دائما من المنزل الذي يعيش فيه مع أمه فقط إلى هذه الأرض بعد أن فقد جده ووالده في يوم واحد قبل نحو شهر فيجلس في هذه الأرض بانتظار عودة أحدهما.. فسألناه عن سر جلوسه في هذه الأرض تحديدا، فأجاب: هذه الأرض أرض جده الذي أنهى حياته بطلق ناري في ذات اليوم الذي توفي فيه والده في حادث مروري بعد مرور 3 أيام على قيام لجنة التعديات بالمنطقة بإزالة أسوار هذه الأرض، وفجأة ساد الصمت بتوقف خال حسن عن الكلام عندما غص في عبرة من الأسى والحزن ليواصل حديثه قائلا "أي طفل سيحتمل وفاة جده ووالده في يوم واحد، هذا اليتيم لم يعد له في هذه الدنيا سوى أمه وهذه الأرض التي يأتي إليها منتظرا عودة والده أو جده". الركوبة والأمر السامي كان المشهد في قرية الركوبة وتحديدا في الجزء الشرقي منها يثير التساؤلات حول حقيقة ما حدث ومصير تلك المنازل والأحواش التي هدمت وتناثرت بفعل إزالة لجنة التعديات لعدد كبير منها. أهالي قرية الركوبة قالوا "نحن مع تطبيق الأنظمة وضد من يحاول الاعتداء على أراضي الدولة التي ستقام عليها مشاريع حكومية لخدمتنا، لكننا نطالب بأراضينا التي هي ملك لنا ولدينا ما يثبت ذلك في الجهات المختصة وفي المحاكم الشرعية"، واطلعت "الوطن" على أمر سام خاص بتظلم أهالي قرية الركوبة صدر عام 1415 ونص على أن "من لديه حجة استحكام مستكملة لإجراءاتها فيعطى ما حوته الحجة، وحصر أصحاب الوثائق الذين يدعون بموجبها التملك ومن لديهم إحياءات قائمة في الأراضي مدار النزاع وإحالتهم للمحكمة الشرعية للنظر في تملكهم". المحضر ومع استمرار مطالبة أهالي الركوبة طيلة السنوات الماضية بإنهاء معاناتهم مع لجنة التعديات وتمكينهم من أراضيهم حصلت "الوطن" على محضر للجنة التعديات بمحافظة صامطة رصد ما وقع من ملابسات لدى خروج لجنة التعديات الرئيسة بإمارة المنطقة بناء على خطاب وكيل الإمارة لإزالة أحواش في قرية الركوبة، حيث نص المحضر على تأخر إشعار محافظة صامطة بالإزالة بإرسال خطاب الإزالة بالفاكس الساعة 2,20 من ظهر الثلاثاء الموافق 28/ 12/ 1430 على أن تتم الإزالة يوم الأربعاء 29/ 12/ 1430، وأشار المحضر إلى أنه بوصول اللجنة إلى الموقع تبين عدم تحديد الأحواش المراد إزالتها وهو ما دعا رئيس لجنة التعديات بمحافظة صامطة إلى إبلاغ رئيس اللجنة الرئيسة بالإمارة بضرورة اتباع الخطوات المحددة الواردة بتعميم أمير منطقة جازان رقم 12642 التي تنص على إنذار المعتدي بالتوقف وإزالة الإحداث، وبالكتابة للشرطة إذا امتنع أو حاول الاستمرار في التوسع بتكليفه بإزالة ما أحدثه خلال مدة أقصاها أسبوع، وبتحديد موعد مسبق لأي إزالة مع إبلاغ المعتدي بموعد الإزالة في مدة لا تتجاوز الأسبوع من انتهاء المدة السابقة، بالإضافة إلى ضرورة استخدام التصوير الفوتوغرافي قبل الإزالة وبعدها. إصرار وتجمهر أكد المحضر الذي حصلت "الوطن" على نسخة منه أن رئيس اللجنة الرئيسة بالإمارة أصر على الإزالة دون التقيد بالشروط الواردة في التعميم، وأشار إلى عدم معرفة رئيس اللجنة بأسماء الأشخاص المراد الإزالة عليهم، ونظرا لتجمهر أعداد كبيرة من المواطنين أبلغ مدير شرطة صامطة اللجنة الرئيسة بوجوب تحديد الأسماء لإبعاد من ليس لهم شأن من المتجمهرين فقام بتحديد 8 أشخاص لإزالة أحواشهم. تضارب وازدواجية جاء في المحضر عدم معرفة اللجنة الرئيسة بالأحواش المراد إزالتها فعند تحديد أول حوش لإزالته اتضح أن ملكيته تعود لشخص آخر ليس ضمن قائمة الأسماء ال8 المراد الإزالة عليهم، وبإبلاغ رئيس اللجنة الرئيسة بالإمارة أفاد بضرورة إزالة الحوش على مسؤوليته الخاصة، كما جاء في المحضر تواجد شخص بالموقع كان يملي أسماء على رئيس اللجنة مما أثار تذمر أهل القرية المتواجدين في الموقع الذين أفادوا بأن ذلك الشخص هو من قام بالإدلاء بمعلومات غير صحية.. ومما ورد في المحضر تلفظ رئيس اللجنة على مدير شرطة صامطة بأنه متهاون ويرى إنزاله رتبة من رتبته الحالية وتلفظه على رئيس لجنة تعديات محافظة صامطة بأنه مجامل ومتعاون مع المواطنين وأن بلدية صامطة متهاونة بعدم تأمين المعدات على الرغم من وجود شيولين وقلابين في الموقع. نهاية ما لم ينته انتهى المحضر بالإشارة إلى تواجد عدد من المواطنين المراد الإزالة عليهم يحملون خطابات من قاضي محكمة صامطة بنفس تاريخ الإزالة 29/ 12/ 1430 موجهة لمحافظ صامطة تدعوها إلى التريث في الإزالة حتى انتهاء الدعوى المقامة في المحكمة شرعا، كما أشار المحضر إلى وجود مبان سكنية في بعض الأحواش المراد إزالتها موصل لها التيار الكهربائي ومسكونة من قبل أهلها وبعضها يقطنها نازحون. ما بعد المحضر اشتكى عدد من أهالي قرية الركوبة مما حدث في يوم الإزالة على أمير منطقة جازان ووافق على معاملة المتضررين من الإزالة وفق ما جاء به الأمر السامي الكريم رقم 395 في 29/ 2/ 1415 بأن "من لديه إحياءات قائمة في الأراضي مدار النزاع في قرية الركوبة فيحالون للمحكمة الشرعية المختصة للنظر في تملكهم حسب تعليمات حجج الاستحكام وعلى البلدية إجابة المحكمة على كل طلب على حدة والعبرة بما يتقرر شرعا ويكتسب القطعية" ومعاملتهم كذلك وفقا لما تضمنه خطاب رئيس محكمة صامطة بالتريث في الإزالة حتى تنتهي دعواهم المقامة بالمحكمة على الوجه الشرعي. صوت الركوبة في الركوبة التقت "الوطن" بعض الأهالي الذين تمت الإزالة عليهم واستمعت لمطالبهم حيث قال محمد جابر مدخلي "الطفل حسن علي مدخلي توفي أباه وجده في يوم واحد بعد الإزالة ويعيش الآن مع والدته وحيدين، فمن يعيد حق هذا الطفل له ولأمه"، مضيفا بما أننا في هذا الوطن الغالي وفي ظل حكومتنا الرشيدة سيعود الحق لنصابه بإذن الله فهذه الأرض داخل نطاق الحماية العمراني. أما محمد الطالبي فقال "أتمنى من كل مسؤول خدمة المواطن بإحقاق الحق والعدل، والتحقق من الشكاوى الكيدية قبل إلحاق الضرر بالمواطن، فالخطابات الصادرة من المحكمة والبلدية والمحافظة تثبت أن أرضي تقع خارج نطاق الأراضي الحكومية وقد أقرت لجنة التعديات بصامطة بأن أراضينا داخل الحزام الدائري وداخل الكتلة السكنية للقرية، ونتمنى أن نحصل على حقوقنا بالوجه الشرعي.. وحصلت "الوطن" على خطاب من رئيس محكمة صامطة موجه إلى رئيس بلديتها المبني على خطاب للبلدية موجه للمحافظة يفيد بأن أرض محمد الطالبي لا تقع ضمن المخطط الحكومي الذي حصلت فيه الإزالة وأنه داخل الكتلة السكنية لذا نأمل إجراء المسح وإجراء ما يلزم. دعوة المحافظة الوطن" توجهت بالموضوع إلى محافظ صامطة خالد الجريوي الذي أكد إعداد المحافظة لعرض شامل بالموضوع لإمارة المنطقة يضم ما لدى المواطنين من وثائق ومستندات، إضافة لما سبق من أن صدر من توجيهات وتعليمات، مشيرا إلى أن الموضوع المتعلق بقرية الركوبة ما زال قيد الدراسة وأن الدولة حريصة على إعطاء كل ذي حق حقه، وحماية هذه الحقوق والممتلكات وضمان عدم التعدي عليها من قبل الغير وفقا لنظام الملكية الخاصة، مضيفا أنها في ذات الوقت تمنع العشوائية التي تخالف الأنظمة وتتصدى لها كونها لا تخدم الصالح العام وتحول دون وصول الخدمات للمواطنين فضلا عن ما ينتج عنها من تشويه المنظر العام للمدينة. وأكد الجريوي أن المحافظة طلبت ما لدى مدعي تملك تلك الأحواش من وثائق ومستمسكات شرعية لدراستها ومن ثم العرض عنها لصاحب الصلاحية ولا تزال تحت الإجراء. ودعا جميع المواطنين للتوجه للجهات المختصة لإثبات ملكيتهم بالوجه الشرعي ومن ثم استصدار التصاريح النظامية والتراخيص اللازمة للبناء بطريقة منظمة ومرتبة تعود بالمنفعة على المالك ومجاوريه والصالح العام وعدم تجاوز الأنظمة المقيدة لذلك.