منذ ما يقارب عشرة الأشهر والعالم يعيش مع فيروس كورونا وآثاره المزعجة المقلقة وأحياناً المحزنة، والتي يكاد لا يخلو مكان حول العالم منها، والتي ما زالت تتمدد وتتنوع لتشمل كافة جوانب الحياة، ولعلي أركز في هذا المقال على جانب السلوكيات والممارسات الحياتية اليومية، فاليوم أصبح لبس الكمامة هو الطبيعي وما عداه تعديا سافرا وإهمالا شديدا، والتقيد بمبادئ التباعد الاجتماعي أضحى دليلاً على الوعي والحرص، كل ذلك وغيره لضمان السلامة وعلى أمل الوصول لنهاية سعيدة تعود معها الحياة لسابق عهدها، ولكن مع طول المدة وضبابية الطريق نحو خط النهاية بدأ الإعياء والإرهاق ما يطلق عليه إعياء الجائحة (Pandemic fatigue) يثقل كاهل كثير من الناس، فتراجعت بسببه نسبة الالتزام بالوقاية وفضل كثير من الناس الاسترخاء!. ومع ما يصاحب حالة الإعياء من كورونا وإجراءاتها الوقائية من أعراض نفسية كالقلق والاكتئاب والاضطرابات العاطفية والمزاجية المزعجة التي تحتاج في بعض الأحيان إلى تدخل المختص لعلاجها، أو على الأقل التفهم والدعم من الأهل والأصدقاء والمجتمع، يظل أكثر ما يثير الرعب والقلق هو تخلي الناس عن حماية أنفسهم من خطر العدوى وتعريض غيرهم لخطر الإصابة، فمعركتنا ضد كورونا لم تنته بعد والخطر ما زال قائماً ومن المرجح أن المعركة لن تنتهي قريباً وسنستمر في الكر والفر إلى أن يتم اكتشاف اللقاح! من الممكن أن يلتزم الناس بسلوكيات وممارسات لم يعتادوا عليها لفترة محدودة خصوصاً عندما يشعرون بالخطر، ولكن عندما يطول الأمد ويضعف الشعور بالخطر يفقد الناس اهتمامهم ويضعف تطبيقهم لتلك السلوكيات، وما تشهده في الوقت الحالي بعض الدول الأوروبية من ازدياد في أعداد الإصابة بفيروس كورونا يفسر كثيرا من المقاطع التي بثتها وسائل الإعلام للتجمعات الكبيرة في الأماكن العامة كالشواطئ والأسواق والحدائق، مع تهاون الناس في التقيد بلبس الكمامة والالتزام بالمسافة الآمنة الذي أعاد تلك الدول خطوات للوراء، وأفقدهم السيطرة على الوباء، وأجبرهم على إعادة فرض بعض الإجراءات المشددة مرة أخرى، وفي المقابل ما نشهده ولله الحمد من انخفاض متواصل في أعداد الإصابات اليومية ومعدل الحالات الحرجة، والزيادة المطردة في نسبة التعافي تؤكد نجاعة الإجراءات الوقائية وأهمية الالتزام بها وعدم التهاون أو التراخي في ذلك فالعاقل من اتعظ بغيره! ساهمت التغيرات الكثيرة والمتسارعة في التوصيات منذ بداية الجائحة في خلق حالة من الارتباك ما بين الناس، وزادها سوءا سرعة وصول المعلومة وتناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبح التضارب المبرر لبعض التوصيات نتيجة لحداثة المرض وطبيعة الفيروس سبباً آخر دفع الناس للتشكيك في الخطر وربما الإهمال في التقيد بالإجراءات الوقائية، لذلك فإن الحرص على اختيار مصادر معلومات بعناية وتقبل التغيرات التي تطرأ نتيجة ازدياد معرفتنا بهذا المرض وخصائصه يوماً بعد يوم، ضرورة تساعدنا على تجاوز الملل والإرهاق، فلا ضير إن كان ما هو بالأمس حقيقة نعمل بها ظهر اليوم ما يثبت عكسها طالما أن ذلك يقربنا للانتصار في هذه المعركة!. ومضة من كان أكثر وعياً وإدراكاً بمدى تأثير سلوكياته على صحته وسلامة من حوله ومجتمعه كان أكثر التزاماً وحرصاً وإن آلمه ذلك قليلاً!