بينما كانت الحكومة اللبنانية تواصل البحث والاستجداء عن حلول محلية وإقليمية ودولية لأزمتها الاقتصادية والنقدية والمالية والاجتماعية، والمطالبات الشعبية بالإصلاح والقضاء على الفساد وإزالة الطبقة السياسية تحت شعار (كلن يعني كلن) والمتصاعدة منذ عام 2019، جاء انفجار مرفأ بيروت المأساوي ليضيف مزيداً من الأعباء الثقيلة على ذلك البلد المرهق والمترنح وسط أزماته. إن أهمية مرفأ بيروتللبنان كالرئة في الجسد، فهو يتعامل مع 300 مرفأ عالمي، ويُقدَّر عدد السفن التي ترسو فيه بما يزيد على 3100 سفينة سنوياً، ومن خلاله تتم معظم عمليات التصدير والاستيراد اللبنانية، بينما تمثل البضائع التي تدخل إليه ما يعادل نسبة 70 % من البضائع التي تدخل لبنان، وبالتالي فإن مرفأ بيروت يعتبر ركيزة أساسية لتحريك العجلة الاقتصادية اللبنانية. إنه يلعب دوراً كبيراً في حركة التجارة العالمية، وهو أكبر مرافئ لبنان الخمسة (طرابلس - صيداء - صور - شكا - الجيه)، وبتدمير مرفأ بيروت يكون لبنان قد خسر ما بين (10 - 15) مليار دولار وفقاً لما قاله محافظ بيروت مروان عبود في لقاء مع قناة «الحدث». لبنان ذلك البلد الصغير بمساحته والكبير بعطاء شعبه وتأثيره في محيطه العربي منذ القِدَم، والذي لُقِّبَ فيما مضى بسويسرا الشرق يوم كان كافة السواح العرب - وخاصة أبناء دول المشرق العربي - لا يسافرون إلا إلى لبنان، المتميز بسياحته وسماحة شعبه المتحضر وأدبائه وشعرائه وتراثه العربي، وأديانه وطوائفه المتآلفة والمنصهرة في بوتقة الوطن اللبناني. إنه لبنان الذي تفوح منه رائحة عبق الماضي الذي كانت فيروز تصدح وتغرد فيه بأحلى أغانيها، ونزار قباني بأجمل أشعاره وغيرهم كثير..إنه لبنان المحبة والتعايش والوئام، لبنان الرخاء الذي لا يعرف شعبه الجوع والفقر والمرض والإذلال قبل مجيء حزب الله الإيراني في العقود الأخيرة، هذا الحزب الذي أعلن أمينه العام حسن نصرالله في إحدى خطبه الرنانة افتخاره بأن ولاءه وتبعيته لمرشد إيران الولي الفقيه، كذلك اعترف في خطاب آخر بأن إيران هي من يؤمن لحزب الله كل احتياجاته من السلاح والذخائر والغذاء والكساء والرواتب وكل شيء على حد وصفه. إن ما قاله حسن نصر الله في الماضي ويمارسه في الحاضر يؤكد أن هذا الرجل المعمم باع وطنه وشعب لبنان الذي ينتمي إليه، وأن دوره هو عميل تابع لإيران يقود ميليشيات إيرانية تحتل لبنان وتسيطر على حكومته ومقدراته... لقد أهدى هذا الحزب لإيران هيبة لبنان وعروبته وسيادته على أرضه، بل ووحدة شعبه ومقوماته الوطنية. كانت إيران تبني لها جيشاً ميليشياوياً في لبنان منذ إنشائها لحزب الله عام 1985 بواسطة أتباعها المؤسِّسين وهم راغب حرب، صبحي الطفيلي، عباس الموسوي، محمد حسين فضل الله، وعلي أكبر محتشمي، وهذه الخطوه تأتي تنفيذاً لسياسات آية الله الخميني القائمة على تصدير الثورة الخمينية لتحقيق التوسع الفارسي في البلاد العربية. إن دور حزب الله وأعوانه في انفجار مرفأ بيروت ثابت لأسباب كثيرة لا يتسع المقال لذكرها، ومنها نفي حكومة موزمبيق أي علم لها بتلك السفينة التي ذكر بأنها جلبت شحنة نترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، وأفرغت حمولتها في المرفأ بعد ادعاء وجود عطل فيها بدلاً من مواصلة الحمولة إلى موزمبيق، يضاف إلى ذلك أن بقاء حمولة سفينة نترات الأمونيوم في المستودع رقم 12 في مرفأ بيروت لمدة 6 سنوات قد تم بعلم ورغبة وقرار حزب الله، الذي يمتلك أقوى جهاز استخبارات في لبنان ويسيطر على الحكومة ومفاصل الدولة اللبنانية والمواقع الحساسة مثل مطار ومرفأ بيروت، ومن المفيد أن نُذكّر القارئ بأن أمين حزب الله كان يهدد إسرائيل في خطاب متلفز بضرب مستودعات نترات الأمونيوم في ميناء حيفا، مما يدل على علمه بخطورة هذه المادة التي يعلم بوجودها بكميات كبيرة في مرفأ بيروت، ولم يحرك ساكناً لإبعادها سواء بواسطة حزبه أو الحكومة التي هو شريك مؤثر فيها. إن مسؤولية رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس الحكومة فيما حدث ثابت وأصيل، ولكن ماذا ينتظر الشعب اللبناني منهما، وهما المتحالفان مع حزب الله ويدوران في فلكه، وينفذان سياسات التوسع والسيطرة الإيرانية. عندما سأل المذيع وليد جنبلاط في مقابلة متلفزة بعد انفجارات المرفأ «لماذا لم تذهب إلى المرفأ لتفقد الأضرار..؟»، أجاب بأن السبب هو مراعاة شعور اللبنانيين لأنني حسب ما يقولون أحد الطبقة السياسية الفاسدة التي أوصلت لبنان إلى هذه الحالة. إن الشعب اللبناني قد وصل إلى درجة اليقين بأن حل مشاكله يكمن في إزالة سلاح حزب الله، وإلغاء الطائفية السياسية، وإيجاد دستور جديد لا طائفي، وإزالة الطبقة السياسية الفاسدة في لبنان وفقاً لشعار المظاهرات التي شاركت فيها كل أطياف وطوائف اللبنانيين (كلن يعني كلن)، هذه الطبقة السياسية المتمترسة خلف طائفيتها ومصالحها الشخصية الضيقة ولا يهمها لبنان حتى ولو ذهب مع الريح.