الفوضى هذا المصطلح العبثي باسمه، وممارس بمضمونه، يعد من المفاهيم القديمة والحديثة في آن معا، حيث لا يكاد مفكر أو سياسي أو اقتصادي إلا ويدرك مدى خطورته وخطورة استخدامه، فعندما كتب ميكافيللي كتابه الشهير «الأمير»، أوضح فيه «أن الشجاعة تنتج السلم، وأن السلم ينتج عن الراحة، وأن الراحة تتبعها فوضى، والفوضى تؤدي إلى الخراب، ومن الفوضى ينشأ النظام»، هذه القاعدة الميكافيلية سواء اتفقنا معها أم لم نتفق، تبعتها كتابات وآراء وأفكار كثيرة ومتناثرة في كيفية استخدام الفوضى لإحلال نظام جديد مزعوم، أو فكر جديد، أو معتقدات جديدة للمجتمعات، ومن بين هؤلاء المفكرين الذين طرحوا هذا المفهوم بطريقة سياسية في وقتنا الحاضر«مايكل ليدن» أحد أعضاء معهد أمريكا إنتبرايز، المختص بالدراسات القومية والأمن القومي، حيث أشار إلى مفهوم الفوضى الخلاقة أو (التدمير والبناء) في المجال السياسي بشكل صريح، تلته وبشكل علني وزيرة الخارجية الأمريكية سابقا كونداليزا رايس، عندما ذكرت أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لديها خطة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، من خلال الفوضى الخلاقة، أو (الفوضى والبناء). وبما أن البناء يحتاج إلى مهندسين يُلمون بعلم من أجله يمكن أن يبتكروا ويصمموا ويحللوا وينشئوا، ويبنوا لتحقيق العمل المطلوب، فإن الفوضى أيضا تحتاج إلى متخصصين ومهندسين لصناعتها، وإلى مرتكزات وخطوات تنطلق ابتداء من قراءة التاريخ والواقع والبيئة المحددة حسب رأي ليدن، حيث لا بد من التعامل مع معطياته وتطورات المجتمع. وباعتبار أنّا نتحدث عن الفوضى ونظريتها التخريبية للدول، فإننا نجد أن النظام في قطر يمارس هذا المنهج في إثارة الفوضى بالدول العربية، ودعم عدم الاستقرار السياسي من خلال التحالف التركي، والذي يهدف إلى أن يزعزع الأمن في الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية، على أمل أن يسيطر على تلك الدول سياسيا واقتصاديا، فهو يسهم في إطلاق الصراع الطائفي والعرقي، وبث الخلافات الطائفية والعرقية الموجودة في تركيبة ونسيج المجتمعات، وجعل دولة تركيا الملاذ الآمن للهاربين من العدالة، ومنصة إشعال مثل هذه الفوضى من خلال احتضانها المحرضين على شعوبهم، والكاذبين على أنفسهم بأنهم أصحاب قضية، فهؤلاء لديهم الاستعداد لأن يضعوا أيديهم مع العدو من أجل مصالحهم الشخصية وليست الوطنية، ولعل خيمة القذافي أكبر دليل على الخطط التي تحاك حولنا وضدنا منذ سنين، كما أن النظام في قطر انتهج أسلوب صراع العصبيات لخلق الفوضى، بهدف ضرب مؤسسات الدولة واستبدالها بولاءات قبائلية وطائفية وحزبية، والعراق واليمن وسورية أوضح نماذج. أيضا محاولة إطالة أمد الاختلال الأمني والحروب الخاسرة في المنطقة، ولعل ليبيا أكبر دليل على ذلك، وخلق حالة عدم الاستقرار واليأس للشعوب حتى يسهل التحكم في قياداتها من خلال شرائهم ودعمهم، ووضع الإملاءات السياسية عليهم. كل ذلك الأمر في صناعة الفوضى تدعمه موجة إعلامية وقودها الهاربون من العدالة والمقومين في تركيا، وأدواتها مرتزقة المال القطري، وبإشراف مهندس الفوضى، وهو النظام القطري. إن نظرية الفوضى العبثية لا تستهدف بناء المجتمعات، وإنما تسعى إلى صناعة التخلف والصراعات في المنطقة للحفاظ على مصالح دول أخرى، وعلى الرغم من الحمق السياسي القطري، والذي يوهم نفسه بانتصارات سياسية، ما زال يمارس مثل هذه العبثية والتي ستنقلب عليه أدواتها ومحركاتها بشكل عاجل، فهناك مثل عامي ينطبق على هذا النظام وحليفه التركي وهو (كثير نط قليل صيد).