لا شك أن تلبية الاحتياجات النفسية للمجتمع أثناء الكوارث الوبائية والأزمات المختلفة تعتبر من أهم الحاجات الإنسانية والمجتمعية؛ وذلك لأن الإنسان أثناء الأزمات يكون أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية، لما تسببه هذه الكوارث والأزمات من رعب وقلق وتغيرات كبيرة في نمط الحياة الاقتصادية والاجتماعية، أو في صحة الناس، بل حتى في استمرار حياتهم إذا كانت الكارثة أو الأزمة مما يهدد حياة الناس. وتعتبر أزمة كورونا المستجد (كوفيد-19) من أبرز الأمثلة على الأزمات التي نتعرض لها حاليًا ويعتبر أثرها واضحًا على الأفراد والمجتمعات، فلم يتوقف أثر أزمة كورونا على صحة الناس الجسدية فحسب، فكما أكدت منظمة الصحة العالمية، تسبّبت أزمة كورونا في نشر الكثير من الأمراض والاضطرابات النفسية ليس فقط للمرضى وإنما لعموم الناس، وقد أقدم عدد من مرضى كورونا المعزولين في المستشفيات بعدد من الدول على الانتحار، في الوقت الذي رصدت فيه منظمة الصحة العالمية انتشارًا لأمراض الاضطراب العقلي بسبب المرض، خاصة بين العاملين في مجال الرعاية الصحية والأطفال، وبحسب معطيات منظمة الصحة فإنه خلال تفشي الجائحة، أبلغ 47% من العاملين بمجال الرعاية الصحية في كندا عن الحاجة إلى الدعم النفسي، و50% من العاملين بمجال الرعاية الصحية في الصين عن إصابتهم بالاكتئاب، وغير ذلك كثير. وقد ظهرت حالة من الخوف والذعر بين الكثيرين ممن يقضون أوقاتًا طويلة داخل منازلهم، وأماكن عملهم حول العالم خاصة مع الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة للجائحة، ويضاف إلى أسباب القلق الجهل بالمرض ومدى خطورته وحصده للأرواح من حولنا. كل ذلك كان سببًا في ظهور العديد من الاضطرابات والضغوط النفسية، وهذا أدى لطرح العديد من التساؤلات حول ما يمكن فعله للتعافي من تلك الاضطرابات النفسية أو الوقاية منها قدر الإمكان والحفاظ على صحة نفسية سليمة. ويعتبر الدعم النفسي وقت الأزمات والأوبئة أساسيًا ومتلازمًا مع الدعم الطبي؛ وذلك لأن الدعم النفسي من أهم العوامل المساعدة للدعم الطبي، ولا بد أن يستهدف الدعم النفسي جميع شرائح المجتمع الصغار والكبار والأسر والموظفين في المجال الطبي والأمني. ويُعدّ الدعم النفسي مسؤولية مشتركة بين الأسر واختصاصيي الطب النفسي والحكومات، فلا تكفي جهود جهة واحدة من هذه الجهات لتغطية وتجاوز هذه المحنة، بل لا بد من تعاون الجميع وتكاتفهم لتحقيق ذلك. ومن أبرز الظواهر النفسية التي تستدعي الدعم النفسي خلال أزمة كورونا هي الخوف والقلق والاكتئاب الناتج عن الأزمة، وسبل التعامل معها لتحقيق حياة صحية أفضل، وتفادي الكثير من المشكلات النفسية الناتجة عنها وعن الضغوط المرتبطة بها، وهذا يحتاج بدوره إلى كوادر مؤهلة ومتخصصة في الجانب النفسي والاجتماعي، خاصة لدعم الفئات الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية لتجنب مخاوفهم إزاء فيروس كورونا الجديد. وكذلك من المجالات الهامة التي تحتاج جهودًا مكثفة خلال هذه الفترة هو مجال دعم الأشخاص داخل الحجر الصحي في الفنادق والمنازل والمستشفيات، نظرًا لاحتياجهم الأكبر والأكثر من غيرهم للدعم النفسي، وكذلك الحال كبار السن وذوي الإعاقة ممن يشكّل المرض عبئًا نفسيًا إضافيًا عليهم خاصة في ظل تزايد مخاوفهم على حياتهم وصحتهم بسبب اجتماع المرض مع كبر السن أو الإعاقة. ولعل من العوامل التي تسهم في الدعم النفسي للناس خلال أزمة كورونا التقليل من تتبع الأخبار حول الفيروس، لأن الإكثار من متابعتها والإفراط في ذلك يسهم في الوصول للإحباط والاكتئاب، كما يزيد من احتمالات التعرض للشائعات والأخبار غير الدقيقة التي يمكن أن تتلاعب بالنفسيات والمشاعر، وكذلك من العوامل المساعدة، لذلك ينبغي الحرص على استقاء المعلومات من المصادر الموثوقة فقط، وبقدر الضرورة دون إفراط، بالإضافة للتركيز على نشر الأخبار الإيجابية، مثل حالات الشفاء، أو اكتشاف العقارات والأدوية المساعدة على العلاج من الوباء أو تقليل مدته وغيرها من الأخبار التي تسهم في رفع الروح المعنوية، بالإضافة لأهمية تعزيز المصابين بالمرض والاعتناء بهم بشكل خاص ورفع معنوياتهم، والعمل على تخفيف قسوة الحجر من خلال التواصل بشتى طرق التواصل عن بعد، ومؤانسة وحدتهم قدر المستطاع.