يقول المفكر والمبدع الكاتب جبران خليل جبران عن الوجوه «رأيت وجها يظهر بألف مظهر.. ووجها مظهره واحد أبدا كأنما قد سبك في قالب». فعلا هنالك وجوه حقيقية تعكس ما بداخل الشخص تماما، كأنها صورة طبق الأصل، لا تغيرها المواقف ولا الأيام، وللأسف هنالك أيضا أقنعة على شكل وجوه، يستخدمها بعض البشر لإخفاء حقيقة طبائعهم. كلنا واجهنا تلك العينة من البشر، كلنا ابتسم لنا من ظننا أنه صديق وواسانا في عز (فضفضتنا) لنجده غدا يستقبلنا مسلحا بأسرارنا يعلن الحرب، كلنا وهبنا حبنا ووفاءنا لأشخاص لنجازى بصفعة مؤلمة تجعلنا أكثر حرصا في المستقبل. ولكن ما أريد التحدث عنه الآن هي تلك اللحظات التي يجب أن نرعي انتباهنا لها، لحظات تسلحنا بسلاح (الإدراك) لنخفف من وطأة الصدمات التي قد تواجهنا مستقبلا، وهي (لحظات سقوط الأقنعة)، ومنها لحظة حزنك وهزيمتك التي هي جزء من الحياة لا بد منه، لاحظ حينئذ من بجانبك، من يؤلمه ألمك، من يتواجد عندما تحتاج الحديث، ومن يخذلك دوما في ضعفك، وكأنه لم يكن صديقك وقت السعادة، وهنا يسقط قناعه وتظهر مصالحه. أيضا، من تحدث لك عن صديقٍ له أو أتى لك بأسراره، غالبا هذا يدل على منافق، فمن استسهل الحديث على من يطلق عليه كلمة صديق، ليس بالفعل صديقا لأحد، وهنا يسقط قناعه وتظهر حقيقة لؤمه. ومن تظهر بوجهه علامات الاستياء عند تفوقك، يتوتر عند الحديث عن إنجازاتك أو يهب لتفاصيل حياتك اهتماما مبالغا فيه، عند المبالغة مِمَن أمامك ركز على ما خلف القناع فيبدو أنها الغيرة متسترة. من يحاول التعدي على حدودك بالدخول بطريقة غير مرحب بها إلى عالمك، يفتح معك مواضيع لا تريد أن تتكلم عنها، وكأنك ملزم بالبوح، يعرف ما يمسُّك ويستمتع بالتطرق له بأي طريقة كانت، ابتعد عنه فمن الممكن أن قناعه يخفي هوسه غير الصحي في حياتك. من الواجب أن نتنبه إلى ما خلف الكواليس عندما تَظهَرُ لنا بأي طريقةٍ كانت. في الحقيقة كثير من اللحظات توضّح لنا حقيقة من حولنا لكننا نتغاضى أحيانا لبقاء الود، وأنا مع التغاضي جدا والمسامحة ولكن بحرص، فالذي يتغاضى عمن يصاحبه مدركا حقيقته فطن، لكن من يتغاضى عمن يصاحبه متوقعا منه غير الذي أظهره أبله لا يتعلم، من أراكم حقيقته وجب عليكم (على الأقل) تصديقها. لنكن واعين للحظات سقوط الأقنعة، لندرك طباع من حولنا ليس لنعاقبهم، بل لنضع كل شخص في مكانه الصحيح، فصديق عن صديق يفرق، ولا وقت لدينا للندم. في الأخير، أنا مع العفو الشامل عمن آذانا وتوقع الأفضل من الجميع دائما، وتقديم الحب لهم، ولكني أيضا مع فهم حقيقة من ندخل في إطار حياتنا والتعايش مع الصورة الكاملة.