لم يكن عبدالرزاق منصور "21 سنة" يعلم أن وفاة والده منذ عامين ستجعل منه شابا مكافحا ورجل مسؤولية بعد أن قضى حياته في لهو ولعب متخيلا أن مرحلة المراهقة أبعد ما يتحمل فيها الشاب المسؤولية، إلا أن مجريات الأحداث غيرت من تصوره كثيرا وأثرت على شخصيته لدرجة كبيرة، وبدأ حينها الطالب الجامعي عبدالرزاق بالتفكير كيف بإمكانه الجمع بين الدراسة، وهي مستقبله، وبين العمل لحاجته الملحة للرزق. وبعد مشاورة أحد الأصدقاء اهتدى للطريق السليم وما اعتبره حلاً وسطاً بين الأمرين، بحيث يكمل دراسته الجامعية ويعمل بذات الجامعة بساعات معينة يكسب نظيرها مبلغا جيدا يعينه على مواصلة مشوار حياته، وهو الأمر الذي بدد القلق والحيرة التي كان يعيشها جراء أوضاعه المعيشية الصعبة. وتحدث عبدالرزاق ل"الوطن" بقوله: إن عمله في الجامعة بدأ بحاجته للكسب المادي إلا أنه تمكن من تعلم عدد من المهارات المتعلقة بالحاسب الآلي وبرامج الكمبيوتر، بجانب الاعتماد على النفس والقدرة على إنجاز المهام العملية وتنظيم الوقت بما يتناسب والواجبات اليومية التي يؤديها سواء بصفته طالبا جامعيا أو موظفا أو مسؤولا عن أسرة. بدوره لا يتحرج موسى العبدالله من عمله في الصالة الرياضية التابعة للجامعة التي يدرس بها، حيث يعد للمسابقات والبرامج والمباريات التي تقام في الجامعة عبر مساعدة مشرفي الصالة في عدد من الأنشطة. ويعتبر العبدالله العمل أثناء الدراسة بوابة للخبرة والمهارات وتطوير السلوك من مختلف النواحي وشتى المجالات، مشيرا إلى أن العمل جعل منه طالبا منتظما في دراسته.. يجتاز الامتحان بتفوق بعد أن كان الكسل صفة ملازمة له، وذكر أن العمل علمه الاعتماد على الذات وحب النجاح والوصول للهدف بالعزيمة والإصرار. الأولوية للطلاب عميد شؤون الطلاب بجامعة الدمام الدكتور أحمد السندي أوضح في اتصال هاتفي مع "الوطن" أن طلاب الجامعة لهم الحق في العمل أكثر من غيرهم للعمل بالجامعة التي يدرسون بها، وذلك عبر التسجيل في برنامج التشغيل الطلابي، حيث تطرح في كل عام وظائف معينة للطلاب والطالبات، وتفتح الجامعة الباب لكل من يرغب في العمل بتعبئة الاستمارة الخاصة بالبرنامج في بداية كل فصل دراسي. وتابع السندي القول "إن الوظائف تكون مناسبة للطلاب وتراعي أوقاتهم بشكل لا يؤثر على دراستهم، حيث يعمل الطلاب بأعمال لا تتطلب مجهودا كبيرا منهم، فالوظائف تنحصر في الأعمال المكتبية المناسبة للطالب، كأن يعمل في مكتبة الجامعة، يساعد الموظفين أو يشرف على الأنشطة والبرامج المقدمة في الجامعة، بجانب الإشراف على الصالات الرياضية وتنظيم البطولات والاستعداد للمباريات والمسابقات التي تنظم طوال العام الدراسي"، مؤكدا أن إدارة الجامعة تحرص على توظيف الطلاب بما يناسب اهتماماتهم وميولهم، فالطالب الذي يهوى القراءة ينضم للعمل في المكتبة، ومن يهتم بالرياضة ويتابع المباريات يعمل في الصالة الرياضية. مكافأة مقطوعة وأوضح السندي أن مجموع من يعملون في الجامعة يبلغ 300 طالب وطالبة بمختلف كليات الجامعة، ويطلب منهم عمل محدد على أساسه يمنحون مكافأة مقطوعة أو بنظام الساعة، استنادا للمهام الموكلة إلى أحدهم، حيث يحدد مجلس إدارة صندوق الطلاب مبلغ المكافأة المستحقة للطالب حيث لا تتجاوز عدد ساعات العمل -160- ساعة في العام الدراسي، بمعدل 80 ساعة في الفصل الدراسي بمتوسط 26 ساعة في الشهر الواحد. وصنف الدكتور السندي الطلاب العاملين في الجامعة إلى قسمين، الأول الطلبة الذين انقطعت عنهم مكافأة الجامعة لتجاوزهم المدة النظامية للدراسة، والقسم الثاني خاص بالطلاب الذين يحتاجون سد حاجتهم، مؤكدا أن الجامعة لا تسمح بتأثير العمل على دراسة الطالب بأي حال من الأحوال، فإن حصل ذلك توقف إدارة الجامعة الطالب عن العمل وتمنحه إعانة مادية يستفيد منها، بحيث لا يؤثر عمله على الدراسة. وأفاد الدكتور السندي أن الطلاب لا يشعرون بالحرج من وراء عملهم في ذات الجامعة التي يدرسون بها، مرجعا ذلك لتناسب العمل مع الطالب، فليس هناك امتهان لشخصيته أو تقليل من شأنه، مضيفا أن "الوظائف المتاحة سنويا للطلاب ليس فيها امتهان بحقهم، فهي بعيدة عن مطعم أو مطبخ الجامعة ومهام الغسل والتنظيف، فالعمل الشريف يساعد الطالب مستقبلا على الاستفادة من المهارات التي تعلمها ويفتح أمامه أبواب الرزق". المتقدمون أكثر من الوظائف من جهته كشف وكيل عمادة شؤون الطلاب لبرامج التدريب والتوظيف بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران الدكتور طلال الفروبي عن تقدم ألفي طالب في كل فصل دراسي للحصول على فرصة وظيفية بالجامعة، وهو عدد يفوق عدد الوظائف المطروحة والتي تتراوح بين 500 و600 وظيفة في كل فصل دراسي، مشيرا إلى أن "نظام وزارة التعليم العالي لا يسمح بعمل الطالب أكثر من 10 ساعات في الأسبوع الواحد كي لا يؤثر العمل بشكل سلبي على الدراسة التي هي السبب الرئيسي من تواجده في الجامعة". وأوضح الدكتور الفروبي أن عمل الطلاب في فصل الصيف يشهد قبولاً لافتاً، حيث يشترك 300 طالب في برنامج العمل الصيفي في الجامعة التي تصرف للطالب العامل 20 ريالا في الساعة. وتتنوع الوظائف التي ينخرط بها الطلاب، إلا أن أغلبها يصب في حقل الأعمال الإدارية مثل السكرتارية وإعداد التقارير وتصميم مواقع للإنترنت وتنفيذ لوحات إعلانية لعدد من البرامج والأنشطة في الجامعة، بجانب مساندتهم لطلاب يقدمون محاضرات في فصول التقوية لمجموعة من الطلبة، وتصحيح الواجبات ومراجعة البحوث بشكل لا يتعارض مع حضور أحدهم المحاضرات وأدائه للاختبارات ومختلف المهام المناطة به. تعاون مع رجال الأعمال أما رئيس لجنة الشؤون التعليمية بمجلس الشورى الدكتور خضر القرشي فتحدث عن أهمية عمل الطالب قائلاً ل"الوطن": إن عددا من الجامعات في مختلف مناطق المملكة اتخذت خطوة موفقة وقيمة في توفير وظائف للطلاب بنظام الساعات في الجامعة، الأمر الذي يؤهل الطالب للمرحلة العملية في حياته المستقبلية ويكون لديه فكرة عن مسؤوليات وحقوق العمل، كما يعين العمل على صرف الطالب لطاقته الذهنية أو الجسدية في أمور تعود عليه بالنفع الكبير، بجانب الغاية الأساسية من العمل وهي الكسب المادي لسد الحاجة وتوفير متطلبات الحياة اليومية. واقترح القرشي تطوير مشروع عمل الطالب في الجامعة عبر تعاون الجامعة مع عدد من القطاعات ورجال الأعمال في المنطقة لتوفير فرص وظيفية جيدة بمكافأة مميزة وبعدد يستوعب المتقدمين سنويا للعمل من الطلاب، معتبرا الشباب مصنعا للأعمال يتطلب منا استثمار طاقاتهم، والاستفادة من مهاراتهم بما يعود بالنفع على البلاد. رسالة تعليمية وأثنى المستشار بوزارة التعليم العالي الدكتور عبدالعزيز الرشودي على جهود الجامعات في توفير فرص وظيفية لطلابها في الحرم الجامعي، معتبرا ذلك احتواء لطاقتهم وحفاظا على جهودهم واستثماراً لأوقاتهم، خاصة في فصل الصيف. وذكر الرشودي ل"الوطن" أن الجامعات العريقة في المملكة هي وحدها التي تتيح الفرصة لطلابها بالعمل، مطالبا باقي الجامعات بالتحرك لإقرار برنامج يسمح للطالب بالعمل في جامعته ويوفر له مصدر رزق يفي بمتطلباته الخاصة واحتياجاته اليومية، معتبرا ذلك جزءا من الرسالة التعليمية التي تقدمها الجامعة لطلابها والتي تستهدف الطلاب تعليميا ومهنيا وأخلاقيا وعمليا، مما يجعلها مسؤولة عن توفير وظائف لطلابها بما يناسب احتياجاتهم ولا يؤثر سلبا على دراستهم، مؤكدا أن العمل ينعكس بشكل إيجابي ومثمر على الطالب بعد تخرجه، حيث يكون مستعداً للعمل بعد تلقيه عددا من المهارات الفنية أو التقنية أو العلمية والإدارية، مما يسهل عليه القبول في حال تقدم للوظيفة بناء على الخبرات التي اكتسبها أثناء عمله في الجامعة، مضيفا أن الطالب الذي يعمل بجامعته يشعر بالارتباط بها أكثر من غيره من الطلبة. وهذا الارتباط من شأنه أن يخلق روح الحماس وحس الاجتهاد للدراسة والوظيفة معا في نفس الطالب بجانب استغلال وقت الفراغ بما هو مفيد. وطالب الرشودي الجهات المعنية بمساءلة عمادة شؤون الطلاب في الجامعات التي لا تتيح لطلابها فرص العمل بنفس الجامعة والتحقق من أسباب ذلك ومعالجة الأمور بشكل يخدم الطالب ويعينه على دراسته ويؤهله للحياة العملية.