ما زال تسعة آلاف طالبة وطالب عالقين في الجامعات السعودية، مهددين بالطرد من الجامعات، ليجدوا لاحقاً البطالة وندرة الوظائف في انتظارهم. السبب وراء هذه المعضلة، كما يصفها الطلاب وحتى أعضاء هيئة التدريس، هو تراجع المعدلات الدراسية. هذا الرقم المخيف يفتح ملف قضية المتعثرين في الجامعات، إذ توجد شريحة غير قليلة ممن قادتهم الظروف إلى انخفاض معدلاتهم الدراسية لتصل إلى أقل من واحد، وفيما حمل المختصون المسؤولية للطلاب برضوخهم لرغبات آبائهم في اختيار تخصصات لا تناسب إمكانياتهم العقلية ومؤهلاتهم، أكد الدارسون أن تراجع معدلاتهم الدراسية سببه ضعف إمكانياتهم المادية، عدم تأهيل بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، عدم وجود المختبرات الكافية، غياب التوعية بطريقة احتساب المعدل، وطول المناهج الجامعية وغير ذلك من الأسباب. وفيما أكد ل «عكاظ» وكيل وزارة التعليم العالي للشؤون التعليمية الدكتور محمد العوهلي، أهمية السنة التحضيرية في إتاحة الفرصة للطالبات والطلاب في التعرف على نظام الدراسة الجامعية والتخصص الذي يناسب كلا منهم، أرجع عدد من الطلاب تراجع معدلهم الدراسي لغياب التوعية المطلوبة بالمخصصات، عدم توفر السكن، وطالب المختصون مواجهة التعثر بتفعيل برامج التوجيه واللجان الإرشادية، ومعاقبة الطالب المتعثر بدلا من إبعاده من الجامعة. وبين العوهلي أن السنة التحضيرية في الجامعات حدت من تسرب الطالبات والطلاب من المقاعد الدراسية في الجامعات، وساهمت في إرشادهم، وأعطتهم الفرصة للتعرف على نظام الدراسة الجامعية، والتخصص المطلوب لكل واحد منهم، ومعرفة فرص العمل المستقبلية لهذا التخصص، ما يتيح الفرصة للطالب لاختيار التخصص عن قناعة تامة، مشيراً إلى أن السنة التحضيرية أتاحت للطلاب فرص التعرف على كيفية التحصيل العلمي، ما ينعكس إيجاباً على مستواهم الأكاديمي. وأضاف أن المكافأة قللت من تأخر الطلاب في الجامعة، وزادت من حماسهم وحرصهم على النجاح خلال الجدول الزمني المحدد لهم، مضيفاً أن المكافأة توقف عن الطالب الذي يزيد عن المدة المحددة له وفق خطته الدراسية، فمثلا الطالب المحددة خطته بأربع سنوات توقف المكافأة عنه بعد تجاوزها، وتتاح له فرصة إكمال دراسته، مشيراً إلى أن المكافأة توقف عن الطالبة أو الطالب الذي يسجل في الفصل الدراسي أقل من 12 ساعة، وهذه رسالة قوية للطلاب لمضاعفة جهودهم والسير على الخطة المعتمدة . وزاد أن المكافأة توقف عن الطالب الذي يقل معدله عن اثنين من أربعة وبما يوازي ذلك إذا كان معدله من خمسة. وأرجع صالح الماضي، طالب في جامعة الجوف، سبب تدني معدله الدراسي لعدم وجود منهج واضح يعتمد عليه الطلاب في دراستهم، وقال «إن تخصصي يحتم بأن أكون متمكناً من اللغة الإنجليزية، إلا أنني لم أحظ بأي كورس أو تدريب لتطوير مهاراتي في هذه اللغة، مع ملاحظة أن بعض زملائي يتعلمونها في جامعات أجنبية، ونضطر للجوء للدروس الخصوصية دون فائدة تذكر». وأضاف «المحاضر دائماً يحثنا على بحث مواضيع عبر الإنترنت، وهذا الأمر يرهقني كثيراً، في ظل عدم توفر السكن، ما سبب لي الإحباط، وفي كل سنة يكون همي كيفية الحصول على شقة». من جانبه، قال أحمد الشمري، والذي كان يدرس في قسم المختبرات التحليلية في جامعة الجوف «فصلت من الجامعة لتدني معدلي بسبب ضعف حالتي المادية وعدم التأهيل الجيد لبعض أعضاء هيئة التدريس، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على توصيل المعلومة»، مشيراً إلى أن قلة التجارب العلمية تقلل من التفاعل والتعلم. لا مختبرات في الجامعة أما متعب المتعب طالب في جامعة الحدود الشمالية، فقد أشار إلى أن الجامعة تعاني من عدم توفر المختبرات والقاعات المناسبة، مضيفاً «أن الجامعة لم تقدم للطلاب الجرعات التوعوية الكافية بطريقة احتساب المعدل، وكنت أعتقد أنه لا يحتسب إلا في آخر سنة، يضاف إلى ذلك أن الجو في الجامعة غير مناسب للتعليم، كما أن بعض المناهج طويلة بلا فائدة، ويمكن الاستغناء عن أكثرها، والأدهى والأمر هو تأخر وصول المكافآت، وعدم وجود السكن يعد هاجساً للطلاب خصوصاً أن بعضهم مستواه المعيشي متدن. غياب التوعية بالتخصصات من جهته، أرجع فايز العنزي تدني المعدل لعدم وجود التوعية المناسبة للطلاب بالتخصصات المهنية قبل التقدم إليها، وظروف السكن وقلة المكافآت، والأسلوب غير الجيد لبعض أعضاء هيئة التدريس، وعدم قدرتهم على توصيل المعلومة، إضافة للمنهج الذي يجمع من عدة كتب أخرى دون وضوح، وقال «إن السكن أصبح هاجس كثير من الطلاب، ويتساءلون في بداية كل سنة دراسية عن إمكانية توفير شقة وعامل للطبخ، في حين أنني أسمع عن جامعات سعودية يوجد فيها إسكان للطلاب، قسم للتغذية ومطاعم فاخرة بأسعار رمزية تكلفة ثلاث وجبات خمسة ريالات؛ (ريال للإفطار وريالان للغداء وريالان للعشاء)، وفي كل سكن يوجد مشرف اجتماعي لحل مشكلات الطلاب، دون تفاقمها لتؤثر نفسياً على تركيزهم أثناء المحاضرة»، لافتاً إلى أن الجو التعليمي الذي تتوفر فيه أدنى سبل الراحة تكون له إيجابيات تساعد الطلاب على الجد والمثابرة لتحقيق معدلات عالية . تفعيل برامج التوجيه إلى ذلك، دعا الأستاذ المشارك في قسم علم النفس في جامعة طيبة الدكتور حسن ثاني، إلى تفعيل برامج التوجيه واللجان الإرشادية في عمادات شؤون الطلاب في مؤسسات التعليم العالي؛ من أجل احتواء الطلاب المتعثرين دراسياً، وإدراجهم في برامج تناسب إمكاناتهم ومهاراتهم التعليمية، مشيراً إلى أن غالبية الطلاب الذين يظهر فشلهم في بداية تعليمهم الجامعي، وتنخفض معدلاتهم الدراسية، هم ضحايا البداية الخاطئة في اختيار التخصص والرضوخ لرغبات الوالدين أو الأصحاب، بما لا يتوافق مع ميول ورغبات ومهارات أولئك الطلاب والطالبات. وأكد ثاني ل «عكاظ» على حق الجامعة وكلياتها في تطبيق الأنظمة الداخلية الخاصة بتعثر الطلاب وتدني مستوياتهم، وحق غيرهم من الطلبة في الحصول على مقعد دراسي، إلا أنه شدد على أن أنظمة مؤسسات التعليم العالي ينبغي أن تتسم بالمرونة، وأن تكون لديها بدائل عديدة، تستطيع من خلالها استيعاب شريحة الطلاب المتعثرين دراسياً، كأن تلحقهم في دبلومات وبرامج، أو تمنحهم إنذارات، وتبعدهم لمدة فصل دراسي أو عام واحد، أو عقوبات أخرى، باعتبار أن الطالب يظل ابن الجامعة حتى بعد تخرجه فيها، مؤكداً على خطورة إبعاد الطالب المتعثر من الكلية، وقال «وإن كانت بعض الجامعات تطبق نظاماً صريحاً، لكن لا يجب أن يكون الفصل مسألة إلقاء الطالب في الشارع». ووجه ثاني انتقاداً إلى بعض أولياء الأمور، وعدم تفهمهم لمهارات أبنائهم الطلاب بعد تخرجهم من المرحلة الثانوية، مضيفاً أن دور عمادات شؤون الطلاب الأكاديميين والمشرفين الاجتماعيين والنفسيين يتمثل في تحديد قدرة الطالب في مسار تعليمي معين، واختيار تخصص يتواءم مع إمكاناته العقلية ومهاراته بما يحقق له الفائدة ويضمن مستقبله. ودافع عن إبعاد بعض الطلاب غير المنضبطين دراسياً عن مقاعد الجامعة؛ نظراً لعدم استفادتهم من الفرص التي وفرت لهم، مستشهداً بطالب أمضى ثماني سنوات في الجامعة، وبلغ الحد النظامي لبقاء طالب البكالوريوس فيها، وفي نهاية المطاف نال معدلا يقل عن درجتين، ومنح كشف درجات، وحجبت عنه شهادة التخرج؛ طبقاً للنظام الجامعي، وبالتالي لم يستفد من بقائه هذه الفترة في الجامعة يتنقل بين قاعات المحاضرات . الطالب مسؤول عن تعثره وحمل أستاذ الفقه وأصول الدين في الجامعة الإسلامية الدكتور عبدالرحيم المغذوي، الطالب مسؤولية تعثره الدراسي، وقال «على الطالب إشراك متخصصين في اختيار القسم الذي يحقق طموحه التعليمي، ويساهم في تطوير مهاراته، وهذا ما نفتقده كثيراً في مجتمعنا، مضيفاً «أن أنظمة الجامعات تختلف فيما بينها، ولكن صياغتها تمت بما يكفل حقوق الطالب والجامعة». من جانبه، امتدح رئيس مجلس التعليم الفني والتدريب التقني في منطقة المدينةالمنورة، عميد كلية التقنية الدكتور عيد بن عياد الردادي، اللائحة الجديدة التي أصدرها المجلس والمتعلقة بالنظام الدراسي لطلاب الكليات التقنية، مبيناً أنها تمنح الطالب المتعثر دراسياً فرصاً إضافية لاجتياز الدراسة، وفي حال استمرار تعثره وانخفاض معدله التراكمي يمكن للطالب أو المتدرب التحول من الكلية التقنية إلى تخصص مختلف في المعهد الثانوي الصناعي، أو تخصصات التدريب المشترك. وقال «هذه اللائحة تعتمد على التقييم الأسبوعي للطالب من قبل المدربين في التخصص، وتتلخص في تقسيم السنة الدراسية إلى ثلاثة فصول بدلا من فصلين، فيما يجب على الطالب لإكمال المرحلة (الدبلوم) اجتياز ستة فصول دراسية، هناك استثناءات ومرونة في النظام بما يساعد الطالب على التدريب واجتياز المرحلة»، مشيراً إلى أن أصحاب المعدلات المتدنية جداً يحالون إلى «وحدة التوجيه والإرشاد» لمعالجة أية مشكلة يواجهونها، مضيفاً لدينا بند لمساعدة الطلاب من الناحية المادية، ومختصون للتعامل مع حالاتهم من الناحية المعنوية والنفسية، مبيناً أن إجمالي الطلاب الذين يمكن تصنيفهم بالمتعثرين وذوي المعدلات المتدنية في تقنية المدينة، لا يزيد عن خمسة في المائة من مجموع الطلاب. أما عميد شؤون الطلاب في جامعة الباحة الدكتور عماد الزهراني، فقد رفض إجابة تساؤل «عكاظ» حول نسبة عدد الطالبات والطلاب المنخفضة معدلاتهم عن النسب المقبولة، واكتفى بالقول «بإمكانكم مخطابة مدير الجامعي لكي يخاطبني! لن أرد على أي اتصال كان من يكون حتى لو كان من أقرب قريب لي!»