سهل جدا أن تهتف بكل ما سمعت أو تصف ما شاهدت، ولكن من المحال أن تبرهن بالدليل القاطع على ما ادعيت، لذا لا تُدلي بمعلومة إلا أن تتقفى أثرها، وإن لم تستطع ادخرها لذاتك فهذا أجدر لنفسك وأنفع لعموم الناس. من اللباقة والذوق الرفيع قبل أن تطرح (أي) رأي أو وجهة نظر تدور بخلدك، أن تُفصح للطرف الآخر بأنها مجرد فكرة عابرة، أو اعتقاد لا يرتقي بالضرورة إلى حقيقة أو برهان. تصعد (وجهات النظر) لدرجة عالية من الصحة في حال دُعمت بحقائق وبراهين تنزع منها رداء الشك والريبة..! قد أتمكن من إقناعك بأن الأسد من فصيلة «السنوريات» وربما أعطيك المجال للبوح بوجهة نظرك، ولكن لا داعي للنقاش حينما أقول إن الأسد نوع من آكلات اللحوم، أو من الحيوانات المفترسة، فتلك حقيقة ليست قابلة للخوض في نقاشات عقيمة!. ما أكثر الذين يبددون أوقاتهم في تقصي الحقائق المطلقة، وبعد حقبة من الزمن تتجلى لنا سرائرهم وأن اعتراضاتهم ناتجة عن دوافع شخصية محضة. وجهات نظر القدوات - التي تشكلت من تجارب اجتماعية أو شخصية - تتنحى لدروب اليقين، وهذا كبوة للمنصاع، وخيبة للعقل، ومداهنة للذي يسكن بين جوانحك. حكِّم عقلك ونقب عن اليقين، واعبر به دروب المتدبرين. هناك من يُعلي من شأن وجهة نظره، ويناضل من أجل إفشائها بين طبقات المجتمع، والويل لمن شاقه أو احتدم في النقاش معه، فقد يصنفه من ألد الخصام، وهذا ما تعج به مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام. «أمام الملأ» نتبرأ من البغي وأهله، وندعي زيفا أننا نعاضد الإبداع بكل قوالبه، بَيْدَ أننا نضمر خلاف ما نبديه من آراء وردود تكسر المجاديف وتثبط العزائم، ثم نبرر على أنها لا تقتصر على وجهات نظر خاصة بِنَا! ومضة: تقول نظرية «داروين» - باختزال - إن البشر أحفاد القردة! النظرية في تلك الحقبة قوبلت بالرفض، ولكن بعد تداولها على ألسنة الناس وتضوع بها السذج واستحسنوا رأيه، حتى باتت حقيقة آمن بها كافة الناس. إلى هذه الساعة هناك من يؤمن -باستحياء- بأن هذه النظرية حقيقة ومجدية للنقاش. إذاً أخبروني -بالله عليكم - من يؤمن بتلك النظريات كيف ندير دفة الحوار معه؟.