الجميع في حديث دائم هذه الأيام عن عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً، وكيفية التعامل مع جائحة كورونا. وفي ظل الأوامر الملكية الأخيرة في هذا الخصوص فقد استبشر الجميع بهذه الانفراجة في توقيت موازِ لفرحة عيد الفطر التي اختلفت هذه المرة عن غيرها من الأعوام السابقة. وترقب الجميع ساعة رفع الحظر التدريجي الذي جاء مع وجود مؤشرات جيدة -بفضل الله- من الناحية الصحية، متمثلة في استمرار انخفاض عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد واستمرار ازدياد عدد المتعافين ومحدودية الوفيات، وهذه المكتسبات تحققت بفضل المولى تبارك وتعالى، ثم بعد ذلك ما قدمته الدولة من دعم ومتابعة لإدارة هذه الأزمة على كافة الأصعدة الصحية والاقتصادية والتقنية والتنظيمية والاجتماعية. واليوم نحن في مرحلة تالية لذلك؛ لأنَّ من الصعوبة بمكان أن تتحمل الدولة مسؤولية إدارة هذه الأزمة بمفردها فمن الطبيعي أن يكون المجتمع بكل مكوناته في خندق المسؤولية والجميع لديه واجب وطني لاحتواء هذه الأزمة، والخروج منها بسلام بمشيئة الله. وتقع المسؤولية في الأساس على الفرد، فهو عماد المجتمع وقد أعطت الدولة تعليمات واضحة ومفصلة عن آليات العودة للعمل والمحافظة على أكثر الطرق فعالية للحد من انتشار المرض والتركيز على استمرار تطبيق التباعد ولبس الكمامة، وهذا أمر يجب تطبيقه من قبل الجميع دون استثناء. والحقيقة أن مظاهر عدم الوعي مع بداية رفع الحظر الكلي تقلق المشاهد؛ لوجود بعض الأفراد الذين لم يتلزموا بذلك، ولعلها تكون حالات فردية وليست ظاهرة أو فئة كبيرة من المجتمع التي لا تتقيد بتلك الضوابط وبمشيئة الله نكون أجمعين على قدر هذه المسؤولية، ونعين أنفسنا ودولتنا على التعامل مع متغيرات هذه الأزمة. وكما أنَّ الفرد هو عماد المجتمع فإن القطاع الخاص هو عماد الاقتصاد لأي دولة، فمنذ بداية الأزمة حرصت الدولة على استمرارية أعمال القطاع الخاص، ودعمها من خلال تقديم عدة مبادرات وبرامج لتحفيزه، وهذا يمثل في حد ذاته ضماناً للحفاظ على الوظائف في السعودية، في هذا القطاع الحيوي الذي يعد الشريك الحقيقي للاقتصاد في الدولة. ومن الأهمية بمكان أن يعي القطاع الخاص صعوبة المرحلة القادمة فلن يكون التعامل فيها سهلاً، ولن تستطيع الدولة تقديم مثل هذا الدعم لفترات طويلة بدون ضوابط، وذلك نظرا للانخفاض الكبير في إيراداتها نتيجة لانخفاض أسعار النفط والمتوقع أن يستمر لفترة من الزمن، وبالتالي فهذه الأزمة يجب التعامل معها بكل واقعية، وعلى القطاع الخاص ترتيب البيت من الداخل، حتى يتمكن من مواجهة تداعيات هذه الأزمة التي قد تستمر لفترة قادمة من الزمن، ويصعب تحديد توقيت الخروج والتعافي منها. فكما أدارت وتعاملت الدولة مع هذه الأزمة يتعين على القطاع الخاص إدارة الأزمة، ويجب أن تكون هناك إستراتيجية واضحة وبخطوات ترتكز في الأساس على توفر رأس المال العامل، وتشغيله بطريقة متوازنة، بحيث يضبط التدفق النقدي، وبما يتوافق مع الآثار المتربة من هذا الوباء، والنظر في حجم ما فقد من الأعمال مع ضرورة قيام شركات القطاع الخاص بمراجعة موجوداتها وحجم أصولها بشكل دوري (للتأكد من عدم وجود أي انخفاض فيها)، هذا بالإضافة إلى ترشيد نفقاتها بشكل حازم، كما يجب تجنب التوسع في الدين (الاقتراض) إلا في حال وجود مبررات لذلك. وحقيقة الأمر أن القطاع الخاص يعتمد على الإنفاق الحكومي، وهذا أمر لا يخفى على أحد ولا يعني أن الأزمة الحالية تدل على عدم قوة ومرونة اقتصاد المملكة، ولا يعني ذلك أن القطاع الخاص في المملكة ضعيف أمام مواجهة الأزمات أيضاً، بل هو قوي ومرن في مواجهتها، لأنه يستمد قوته ومرونته من قوة ومرونة الاقتصاد السعودي، وهو شريك حقيقي في استدامة وتنمية الاقتصاد الوطني، وتتمثل أكثر النماذج فاعلية لتمكين القطاع الخاص، في دخول الدولة في شراكات معه، بهدف تنميته وتقويته، لا أن تدخل كمنافس مباشر في مشاريع خاصة بالقطاع الخاص. أخيراً لا ينبغي النظر لهذه الأزمة بسلبية تامة، وأنها خالية من الفرص الاستثمارية، فعلى العكس تماما قد توجد فرص مناسبة ومميزة خلال مثل هذه الأزمات، يغتنمها من وفقه المولى لترتيب بيته من الداخل. يجب أن ندرك تماماً أننا في المملكة العربية السعودية نمر بظرف غير عادي وبجائحة لم يسبق أن مرَّ بها العالم، ونحن جزء لا يتجزأ من العالم، صحيا واقتصادياً واجتماعياً، وعلى الجميع أن ينظر بنظرة مستقبلية أكثر إيجابية، داعين المولى عزّ وجل أن يزيل هذه الغمة، حتى نخرج منها أكثر قوة، بحول الله تعالى.