يستهل الباحث العراقي ماجد الخطيب كتابه "هاينريش هاينه روح الشعر الألماني" بمقدمة تحدث فيها عن نظرة الكاتب ورجل الفكر المجري جورج لوكاتش إلى الشاعر هاينه. وقال إن لوكاتش شأنه شأن نيتشه يكن احتراما وتقديرا كبيرين لهاينه "وإذ رأى نيتشه في هاينه "مكرا" اهّله لأن يكون فنان اللغة الألمانية الأول فإن لوكاتش رأى في "سخرية" الشاعر ذروة نضوج أدبي وفكري لم يبلغها أي شاعر ألماني". وينقل الخطيب في كتابه الواقع في 406 صفحات متوسطة القطع وصدر عن (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) في بيروت، قول الشاعر والناقد الفرنسي شارل بودلير وهو "لا تملك فرنسا المسكينة اليوم سوى شعراء قليلين، لكن لا أحد منهم يقارن بهاينريش هاينه". ونقل عن فرنسي آخر هو الروائي اونوريه دي بلزاك قوله "جسّد في باريس روح الشعر الألمانية، كما جسّد في ألمانيا روح النقد الفرنسية البناءة، ونقل عن الفيلسوف والشاعر الألماني فريدريش نيتشه قوله "يكفي القول إن هاينه وأنا أول فناني اللغة الألمانية". أما عن الموسيقي الألماني ريتشارد فاجنر فقد نقل القول التالي "قلب هاينه أرشيف المشاعر الألمانية موهبة ندر أن أنجبت ألمانيا مثيلا لها". وختم الاقتباسات التي ضمها غلاف الكتاب بقول الفيلسوف الألماني والسياسي والمنظّر الاجتماعي كارل ماركس عن هاينه إنه "أعظم الشعراء الألمان بعد جوته". ويستشهد الكتاب بأن لوكاتش خصص في كتابه المهم "واقعيو الأدب الألماني في القرن التاسع عشر" نحو ستين صفحة للحديث عن أدب هاينه وتأثيره الكبير على الأدب الأوروبي عموما والألماني خصوصا في المرحلة الانتقالية بين عصري الأدب التقليدي والحديث في أربعينات القرن التاسع عشر. ويذكر أنه في هذا الفصل الذي أكمله لوكاتش عام 1935 يهاجم الكاتب الشاعر هاينه بلا رحمة بسبب هشاشة موقفه السياسي والشخصي في تلك الحقبة وتردده في الانتقال تماما إلى صفوف "الثورة البروليتارية" ولكنه يطري بلا حدود شاعرية هاينه ورهافة حسه وغنائيته ويقيّم عاليا موقفه النقدي من الشعر الكلاسيكي والحركة الرومانسية. ويرى في "سخريته" أساس المرحلة الانتقالية التي قادها هاينه وأدت إلى انطلاقة مرحلة الأدب الحديث. ويتابع القول إن هاينه انتقد "الرجعية الرومانسية" في أربعينات القرن التاسع عشر وكتب أن "تأليههم للتاريخ الألماني هو تأليه لتاريخ بائس وعبودي وأن إطراءهم للعصور الوسطى والكنيسة الكاثوليكية لا يعني سوى البحث عن الأدب البديل في أروقة الفاتيكان..". "هاجم هاينه "الرومانسية الساخرة" أيضا واتهمها بالمراوحة في مكانها. صنع من "سخريته" مبدأ لتحطيم أوهام الناس عن الواقع المنسجم الذي تدعيه الكنيسة والسلطات الإقطاعية للعالم، بل بلغ في تهكمه مبلغ (الفلسفة) "الكلبية" بسبب رغبته عن التعبير عن تمزق الواقع وهدف تحطيم كل بقايا العصور القديمة التي تدعي انسجام الإنسان مع نفسه ومع هذا الكون". وقال "يقول (الفيلسوف الألماني) فريدريش انجلز "يرفع هاينه حماسة المواطن عن قصد لكي يعيده من بعد ذلك إلى حضيض الواقع مجددا". ولهذا فإن سخرية هاينه تثير فيه شعورا بالغضب في حين تبعث سخرية الشعراء الآخرين (الرومانسيين) فيه شعورا بالاطمئنان وتبقيه أسير أوهامه...". عاش الشاعر والناقد الألماني هاينرش هاينه بين عامي (1797 – 1856)، ويعد من أهم الشعراء الألمان الرومانسيين. وتعود شهرته لتأليفه الكثير من القصائد في صورة أغانٍ، والتي في وقت لاحق استعملها في موسيقاهم ملحنون عظماء أمثال روبرت شومان. حيث ولد هاينه في 13 ديسمبر سنة 1797 في مدينة دوسلدورف في ألمانيا وينحدر من عائلة يهودية كانت تمارس التجارة. بعد تلقيه تدريبا في مهنة التجارة في مدينة فرانكفورت، درس هاينه القانون في مدينة بون ومدينة غوتينغن وفي مدينة برلين. في سنة 1825 نال هاينه درجة الدكتوراه في القانون وكان وقتئذ قد اعتنق المذهب البروتستانتي. و في عام 1831 غادر ألمانيا بسب الأوضاع السياسية السائدة آنذاك. استقر في باريس حيث عمل كمراسل صحفي. خالط هاينه فيكتور هيجو وأونوريه دي بلزاك وصادق كارل ماركس. وبدءا من سنة 1835 تم منع تداول كتاباته داخل ألمانيا. لحن كل من فرانز شوبرت وروبرت شومان ويوهانس برامس معظم قصائده. وتوفي في 17 فبراير من سنة 1856 بالعاصمة الفرنسية باريس.