من الحيوانات التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم، وأشار إليها في عدة مواضع، الحمير(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة)، وعدد مزاياها ومنافعها في حياة الإنسان، واستخدمها كأسلوب من أساليب الذم في الابتعاد عن الصفات غير الحسنة، كرفع الصوت (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)، أو في عدم الانتفاع من المعرفة رغم حملها ونقلها (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا). فبالرغم من كون الحمار زينة ومنفعة للإنسان، إلا أن العرب منذ القِدَم تتجنب ذكره، ويكنون عنه ولا يصرحون باسمه في أحاديثهم، وهو عنوان للتهكم والسخرية والمذلة حتى يومنا هذا، فمن أراد نعت شخص جراء سلوك غير مرغوب فيه فإنه يُبادره «بالحمار» وذلك لشدة الوصف والإيذاء أكثر من أي عقاب آخر، وفي حالات كثيرة يفقد المُوصوف «بالحمار» عقله ووعيه ويتحرك بانفعال شديد للدفاع عن كرامته ورد اعتباره مهما كانت النتائج. ويأتي طرح هذا التشبيه والنظر إلى النكات المهمة في الوصف القرآني «بالحمار» للاستفادة من المضمون والدلالة، أكثر من مسمى جنس الحيوان نفسه، فالقرآن الكريم أراد التنبيه إلى قضيتين مهمتين لطالما غفل الإنسان عنهما سواء عمدا أو غفلة، وهما ظاهرة حمل الأفكار والمعتقدات والمعرفة دون الاستفادة منها، وظاهرة أنكر الأصوات وخروجها عن حد القول ودرجته المناسبة، فحمل المعرفة دون الانتفاع بها أو تطبيقها عمليا على مستوى الفرد والمجتمع، يُعد أمرا مذموما من الله تعالى وشكلا من أشكال حمل الأسفار التي لا ينتفع بها الإنسان، ويكون التوصيف القرآني وصفا ذميما ومُؤلما بالتشبيه «بالحمار» فيما يحمله ولا يستفيد منه إلا التعب والمشقة، وأن هذا التشبيه القاسي من الله في خصوصيته لفئة معينة أو لعموم الناس في حياتهم، قد يكون تنبيها ورادعا وعلاجا لما نتلقاه يوميا من كم هائل من المعرفة، عبر أجهزتنا الذكية ووسائلها الاجتماعية، ولكننا نكسل أو نعجز أمام تحويلها إلى سلوك نافع ومفيد، مقابل ظاهرة الاهتمام بالحمل والنقل دون الاستفادة. والاتصال بالصوت وتأثير نبرته مهم للغاية في حركة التفاعل والانسجام، وضعفه في درجة الهمس أو النجوى، قد يكون سلبيا على طبيعة العلاقات الإنسانية، وبالمقابل فإن حالة رفع الصوت عن حد القول (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) يتحول إلى أنكر الأصوات فيستحق التشبيه من الله «بصوت الحمير»، وذلك نتيجة إيذاء الآخرين في سمعهم وإحساسهم (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا)، فوسطية القول تجعل منه مسموعا ومفهوما ومقبولا. فالله سبحانه وتعالى حذرنا من عموم حمل المعرفة ونقلها بلا فائدة وتطبيق، وأننا في حال التطبيق والتوجيه لابد من مراعاة درجة الصوت للمخاطبين، والعبرة ليست في إهانة الحمار والتشبيه به، وأنه مخلوق وضيع لا قيمة له، فأصل وظيفته الركوب لخدمة الإنسان والصبر على المشقة ونقل الأحمال، ونهيقه يدل على الإرهاق والحاجة والخطر القادم لجنسه، وأنه لا علاقة له بالمعرفة والانتفاع بها أو تطبيقها، فصورة الحمار في أذهاننا مستمدة من الإسقاط والفشل والسخرية، وصورته لدى الحزب الديموقراطي الأميركي، شعار لقيادة المجتمع والتحدي والإصرار والصبر في المواجهات الانتخابية أمام خصمه اللدود الحزب الجمهوري بشعاره الفيل، فإذا كان النعت «بالحمار» من بشرٍ يؤذي مشاعرنا ويحط من كرامتنا، فهو لدى غيرنا عز وافتخار وشعار نحو تحقيق المطالب والانتصار. والتشبيه من الله «بالحمار» تحذير للإنسان من وظيفة نقل المعرفة بلا انتفاع، وأن النهيق لغة جنس الحمار، والقول الحسن لغة التواصل بين بني الإنسان. والخلاصة تدور بين جدلية التشبيه وفن التوظيف.