زرتُ خلال هذا الصيف جزراً يونانية، بينها سانتوريني، جزيرة البركان الساحرة فلفت نظري أن الجزر التي تتكون من جبال بركانية، بنيت المدن على شواهقها، غير أن وسيلة الصعود للمدينة من الساحل، تكمن في ثلاثة خيارات، بينها التلفريك، والسيارة، والحمار! نعم، الحمار، أجلكم الله. وأقول أجلكم الله، لأن ثقافتنا العربية بالرغم من اعتمادها، على الحمار كثيراً وبخاصة في القديم، في النقل، حتى إن الحمار كان هو الرفيق الدائم للإنسان، وحامل المشقة الأول، إلا أنها كانت تربط الحمار بالغباء، وإذا أراد أحد أن يهين غيره، سبه بأنه حمار! مع أن ورود الحمار في القرآن، لم يكن سلبياً بحق الحمار إجمالاً، إنما جاء ليؤكد أن أنكر الأصوات هو صوت الحمير، ضمن نصائح لقمان الحكيم لابنه، حاثه على أن يتأنى في الكلام، ولا يرفع عقيرته بالصوت العالي: (واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)، بالإضافة إلى الإشارة لحمل الحمار للأسفار دون وعي لما فيها (كمثل الحمار يحمل أسفاراً)، في الحديث عن الذين حُملوا التوراة ثم لم يحملوها. غير أن التعبير القرآني، أشار إلى الحمار مع الخيل والبغال، باعتبارها مراكب للإنسان، وسبباً لاتخاذها للزينة، والجمال والاستئناس بأشكالها، كما في قوله تعالى:(والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون). ومن الغرائب أن هناك من ينازع بقوة على التسليم بغباء الحمار، مؤكداً ذكاءه، فنقل البضائع والمؤن، والأسلحة، والتهريب بعامة، كان من أهم أدوار الحمار، حتى وهو يذهب ويعود دون حاجة إلى قائد أو مرافق، دون تبرم أو تشكٍ أو اعتراض، وهو ما دفع الفنان المصري الراحل زكي طليمات، لتأسيس جمعية في مصر في العام 1930، هي جمعية الحمير، هدفها، رفع الظلم عن الحمير، وهي تستبطن معاني أخرى دون شك! ولما حاول بعض المصريين قبل سنوات قليلة تجديد العهد، بجمعية الحمير، وإعادة إحيائها، رفضت الحكومة المصرية، ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية، معتبرة الاسم غير مناسب، وأنه ينافي التقاليد المصرية، لكن المنع لم يطل الفنان المصري الشعبي، سعد الصغير، وهو يصدح، ولا أقول ينهق، بأغنيته التي اكتسبت شهرتها من غرابتها: باحبك يا حمار، ولعلمك يا حمار، أنا بازعل انا أوي لما حد بيقولك يا حمار! وعند ذكر الحمار، لا بد أن نتذكر أحد أهم خلفاء بني أمية وآخرهم، وهو مروان بن محمد، الذي سُميّ بمروان الحمار، لصبره وقوته وكفاءته في القتال، ولولا أن جنده خذلوه، لما سقطت الخلافة في عهده كما قال ابن كثير! ومن حكيم ما يروى عن مروان الحمار، أنه جلس يومًا وَقَدْ أُحيط بِهِ، وعلى رأسه خادم لَهُ، فَقَالَ لَهُ : أَلا ترى ما نَحْنُ فِيهِ (يقصد زوال الخلافة)؟ لَهَفي عَلَى يدٍ ما ذُكرتْ ، ونِعمةٍ ما شُكرت، ودولةٍ ما نُصِرَتْ، فَقَالَ لَهُ :يا أمير الْمُؤْمِنِين ! من ترك القليل حَتَّى يكثر، والصغير حَتَّى يكبر، والخَفِيَّ حَتَّى يظهر، وأخّر فعل اليوم لِغَدٍ، حل بِهِ أكثر من هَذَا، فَقَالَ : هَذَا القول أشدُّ علي من فَقْدِ الخلافة..