عام يمر تلو العام وبلادنا الحبيبة تتنسم كل سنة ذكرى توحيدها على يد المؤسس المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود، بعد ملحمة وطنية خلدها التاريخ بأنصع العبارات ودونها في سجلاته بأحرف من ذهب، كيف لا وهي التي أعلنت للعالم قيام المملكة العربية السعودية التي أصبحت في سنوات قلائل مضرب الأمثال في القيادة الحكيمة، التي تقود شعبها نحو مراقي الازدهار والنهضة والتنمية، وصارت قبلة للمستثمرين من كافة أنحاء الأرض، عطفا على ما يوجد فيها من مزايا فريدة قلّ أن توجد في غيرها، وما تتمتع به من موارد اقتصادية هائلة، وما أنعم الله عليها به من أمن واستقرار، وهذه نجاحات لا يمكن أن تتوفر عن طريق الصدفة أو تأتي بضربة حظ، بل كان نتيجة قيادة واعية وتخطيط دقيق وقراءة سليمة لمعطيات الواقع ومفرداته. في صبيحة ذلك اليوم الأغر، الثالث والعشرين من سبتمبر 1930، تمكن مؤسس هذه البلاد وعدد من رجال الوطن المخلصين، التفوا حوله ونصروه وساندوه من توحيد هذه البلاد المباركة، حتى تحقق الحلم الكبير، وظهر للعالم كيان جديد، سرعان ما بدأ يسابق الزمن لتغيير واقعه، حيث كانت شبه جزيرة العرب تعيش حالة انفلات أمني، وفوضى ضاربة، وحروب متكررة، فجاء قائد مسيرة التوحيد، الذي لم يكن معه من سلاح سوى التوكل على الله، وصدق العزيمة وقوة الإرادة والرغبة الصادقة في إسعاد أهله ومواطنيه، فاستطاع أن يكسب قلوب من حوله، وأن يجمعهم حوله لتغيير حياتهم نحو الأفضل، وهنا كان لا بد للمستحيل أن يصبح واقعا، وللنهضة أن تتجسد وللازدهار أن يتحقق. وبعد أن كان المواطنون يعانون ضيق ذات اليد أصبحوا يعيشون في رغد ونعمة - بفضل الله - ولا يكاد يمر عام إلا وتشهد هذه البلاد مزيدا من مشاريع التنمية والتطوير، مما انعكس إيجابا على حياة أبنائها، رفاهية وخيرا وهناء. لم تقتصر مهمة القائد الملهم على مجرد اكتمال عملية توحيد الدولة، بل إن ذلك كان أولى المهام، فبدأت على الفور عملية أخرى أكثر أهمية هي وضع أسس ذلك الكيان الوليد على قواعد واضحة، قوامها المساواة بين أبناء الوطن الواحد، دون وضع اعتبار لأي عناصر أخرى، قبلية كانت أو مناطقية أو مذهبية، فأصبح معيار المفاضلة الوحيد هو المواطنة الصالحة، ولأن الله سبحانه وتعالى لا يضيع عمل المحسنين كان لا بد أن يرى العالم أجمع ثمار ذلك الجهد على أرض الواقع. بعد رحيل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - جاء أبناؤه الكرام البررة من بعده، وبذلوا جهودا كبيرة لأجل مواصلة المسيرة الظافرة، وتحقيق مزيد من الرخاء والنهضة، فساروا على نفس الطريق الذي رسمه، وتمسكوا بالنهج الذي يقوم على التمسك بكتاب الله وثوابت المجتمع وتقاليده مع استصحاب معطيات العصر، واستعانوا بالصادقين من أبناء هذه البلاد، فواصلت البلاد الانتقال من نجاح إلى آخر، واستمرت تخطو بثبات وثقة وسط عالم مضطرب. ومع أن المملكة بدأت مسيرة التنمية منذ عهد الملك المؤسس واستمرت خلال فترات الملوك السابقين رحمهم الله، إلا أن ما تحقق خلال السنوات الماضية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحمل بعدا آخر، ودلالات عميقة، أسهمت في تحقيق قفزات تنموية في مختلف المجالات، ولم تقتصر مسيرة الإنجازات على ميدان الاقتصاد وحده، فهناك نجاحات أخرى على كافة الأصعدة، اجتماعيا وثقافيا وسياسيا. كل ذلك على هدي رؤية المملكة 2030 التي حمل لواءها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فجاءت ترجمة صادقة لرغبات أبناء هذه البلاد، وتغيير واقعهم إلى الأفضل، وتحقيق عدد من الأهداف والتطلعات، في مقدمتها مساعدة الشباب السعودي على تطوير مهاراته ورفع مقدراته، إيمانا من القيادة الكريمة بأن الشباب هم أعز ما تملكه الأمم، وأغنى الثروات وأكثرها أهمية، كما هدفت الرؤية إلى تطوير الاقتصاد وزيادة الموارد وتعزيز القدرات. وطن بتلك المقدرات، وقيادة بهذه الصفات، وشعب كريم يعرف قدر من يسهرون على راحته وسعادته هي عناصر مثلث النجاح. لذلك فإن المطلوب هو التفكير بشكل إيجابي، فلا يكفي مجرد إظهار الفرح بهذه المناسبة الغالية، فلا بد من العمل بصورة واقعية على تحويل مشاعر الانتماء إلى أفعال، وتجسيد الولاء إلى تصرفات، عبر مزيد من التلاحم بين القادة والشعب، وأن يتحول كل منا إلى حارس لبلاد الحرمين التي أعزنا الله بها، وأن يشعر بأنه المسؤول الأول عن تحقيق الأهداف العامة والمصالح العليا، فهذا الوطن الذي شرفه الله بأن جعله مهبط الوحي وحاضن الحرمين الشريفين وأرض الرسالة يستحق أن نقدمه على ما سواه، وأن يكون أولوية تفكيرنا ومحط اهتمامنا، فالأشخاص زائلون والأوطان باقية، وبهذا التفكير المتقدم نكون قد جددنا مفاهيم الولاء لبلادنا، والبيعة لقيادتنا التي أعطت وما بخلت، وما توانت عن تقديم كافة ما يسهم في تطور البلاد وإسعاد شعبها.