رحلة منظمة من الكلمات والأفكار استعرضها سفير المملكة المتحدة لدى الرياض السير وليام باتي وهو ينقل ل«الحياة» علاقته بالأماكن، ومدى تأثره بثقافتها، وما تتركه في داخله من انطباعات متذكراً تلمسه العالم الخارجي وهو مازال طالباً بقوله: «عندما كنت في الجامعة، ذهبت إلى مصر في عطلة بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) بفترة قصيرة، وأفترض أن افتتاني واهتمامي بهذه المنطقة وشعبها والثقافة والدين والسياسة في جوهرها بدأ منذ ذلك الحين، ومنذ انضمامي إلى وزارة الخارجية البريطانية ومن ثم الذهاب إلى كلية دراسات الشرق الأوسط MECAS في لبنان لتعلم اللغة العربية، عملت في كل من الإمارات العربية المتحدة، وليبيا، والسودان، والعراق، ومرتين في السعودية، وليس سراً أن أكشف لل«الحياة» أنني أمضيت في العالم العربي من الوقت أكثر مما أمضيته تقريباً في بلادي». مؤكداً أنه ليس حالة متفردة، بل هو امتداد لرجال ونساء بريطانيين سبقوه في ذلك: «أنا حلقة في سلسلة طويلة من الرجال والنساء البريطانيين الذين قامت هذه المنطقة باستقطابهم، البعض منهم أصبح مشهوراً، مثل لورنس العرب، الذي عاش وحارب مع رجال القبائل في منطقة الحجاز ضد استبداد الحكم العثماني، وهناك آخرون مثل فيلبي الذي أبلغ الحكومة البريطانية في وقت مبكر جداً أن هناك زعيماً سعودياً سيكون هو السلطة الحقيقية في مستقبل المنطقة هو الملك عبدالعزيز آل سعود، أما البعض الآخر، فلعب دوراً مهماً في تاريخ المنطقة مثل جيرترود بيل الذي ساعد في إنشاء دولة مستقلة في العراق، كما أن مثقفين بريطانيين كتبوا كثيراً عن أشخاص قابلوهم في المنطقة العربية وعاشوا بينهم، ومن أشهر هؤلاء «ويلفريد ثيسيجر» الذي ألّف كتاباً أطلق عليه اسم «رمال عربية» من أكثر الكتب مبيعاً في العالم». موضحاً أن «كتاب رمال عربية هو قصة محاولة ثيسيجر عبور صحراء الربع الخالي (Arabian Sands) في الأربعينات (1940) مع مجموعة صغيرة من رجال بدو القبائل في جنوب شبه الجزيرة العربية، والمعاناة الجسدية والنفسية التي تسببت بها هذه الرحلة، وروى ثيسيجر في سياق كتابه شرحاً مفصلاً لبعض عادات وصفات رفاقه العرب التي كان معجباً بها، ومن أهمها صدقهم وشجاعتهم وروح الرفقة والضيافة والإيمان المتشبع في نفوسهم». وفي مقارنة سريعة بين ما ذكره ثيسيجر في كتابه عام 1940، وما تمر به المنطقة الآن في بدايات 2010 قال السير «باتي»: «تغيرت الحياة اليوم بالنسبة إلى معظم سكان شبه الجزيرة العربية، فأنا شخصياً سافرت إلى الربع الخالي في شباط (فبراير) الماضي، في رحلة إلى حد ما شبيهة برحلة ثيسيجر، وتلمست الصفات نفسها، التي ذكرها عن أصالة البدو وكرمهم، وتلمست ان التحدي الذي يواجه العالم العربي كله ومنطقة الخليج العربي بصفة خاصة يتمثل في الحفاظ على التقاليد نفسها المعروفة عن العرب، وفي الوقت نفسه التحديث والمشاركة مع بقية العالم».