من بين كل الدموع حاولت مرة ومرات أن أكتب عن عبدالله عبدالجبار ما استطع، إنني أحتاج إلى لغة ثانية وربما ثالثة، لا مديح فيها ولا ثناء، فالرجل أكبر من كل كلمات الثناء، بكيت عجزي وانتقلت بكل هواجسي وأحلامي وأملي أن أرتدي جزءا من صفاته وأرتدي رداءه، ولكن حتى الرداء استعصى عليّ أن أرتديه، إنه متفرد لا يشبه أحدا، ولا يشبهه أحد، فهو الضاحك من بين كل الدموع، المبتسم الراضي برغم قسوة الأيام وآلامها، الصامد كالجبل في عليائه وشموخه وهو يمر فوق رؤوسنا كسحابة تحمل الغيث لترطب أفئدتنا وتروي ظمأ نفوسنا، وهو بكل مُثُلِه العظيمة، الصامت الهادئ القنوع الراضي كل الرضا، لقد ربى عبدالله عبدالجبار أجيالا وتعلمت منه أجيال، وكان ولا يزال عالما لم يبخل بعلمه على مجتمعه، وكان علما بارزا في مجال التربية وأستاذا أديبا ناقدا، يعمل على أن تعلو كلمة الحق والعدالة، فهما أساسان لنهضة المجتمع ورقيه. إن من حقه على هذا الوطن ومواطنيه أن يكرم أجل تكريم، فلسنا أجيالا جاحدة أو ناكرة، ومثل حق عبدالله عبدالجبار لا ينكر ولا يجحد، إنه كالشمس قد أضاء بمعرفته وعلمه وقلمه كل أرجاء حياتنا، فمن يجحد أو ينكر نور الشمس؟. إنني لا أطالب لعبدالله عبدالجبار بمال أو جاه فهو والله في غنى عنها جميعا -إن شاء الله- بما له من رصيد كبير من الحب ومن المكانة في نفوس أبناء بلادنا، ولكن أطالب بأن ننصف أنفسنا بتكريمه حتى لا يقال عنا -كما ذكرت سابقا- جيل الجحود والنكران لمن سبقونا علما وجهادا وعملا، لقد أعطى عبدالله عبدالجبار خير العطاء، وأثمر عطاؤه في عدد من آفاق حياتنا، وها هم تلامذته يملؤون مراكز الدولة، كل في موقعه يؤدي واجبه في خدمة دينه ومليكه ووطنه، عبدالله عبدالجبار تعلمنا منه الحب لهذا الوطن قبل أن نتعلم منه اللغة والحرف والبلاغة، ودعوتنا لتكريمه هي دعوة لتكريم كل عشاق هذا الوطن، وهي دعوة لتكريم العلماء والحكمة والحكماء، إنها دعوة لتكريم أيوب هذا العصر الذي لن يتكرر. * 1998