للشهرة ثوب مثل ذيل الطاووس، براق الألوان، لمّاع الأفواف، كلما انعكست عليه أشعة الشمس ازداد ألقا وجمالا. وللطاووس -أو للمشهور مثلا- ألف عذر عندما ينظر إلى ذيله ويثني عطفه، ويرجع الطرف كرّة بعد مرة إلى هذا الذيل -أو الثوب- دون أن يملّ رؤيته، أو يشبع منها. وكلنا يريد الشهرة بكل وسيلة من الوسائل، وإنه لكاذب كاذب ذلك الذي يزعم أنه يمقتها أو يزهد فيها، وقد كنت من عشاقها المدلهين قبل أن يخضر عذاري -يا له من عذار- فلما اسودَّ هذا العذار أو ابيض -لا أدري- أصبحت بعد ليلة واحدة مشهورا على الأقل في وطني وبين عشيرتي، والحق أني نلت الشهرة من أبوابها الخلفية، أعني من الأبواب الخيالية التافهة التي لا تستطيع إلاّ أن تربط على بطنك حجرا لو أنك اكتفيت بها لبلوغ عيشك أو اتخذتها ذريعة لازدراد لقمتك، وأعني بالأبواب الخلفية، أبواب الأدب والشعر والفن، وكل ما تنفضه هذه الريشة الحمقاء مما يقال عنه: إنه غذاء للأرواح وزاد للعقول وإمتاع للقلوب!. ولم أستطع أن أبلغ الشهرة من أبوابها الأمامية المرعبة، فإني أخيب من أن أكون مشهورا في الثروة، أو سعة النفوذ، أو حسن الإدارة، أو جلال الشخصية. كلا! لست هناك، ما دام دون ذلك صراع وهول ومكابدة وانزلاق على الرغام، وسحب على التراب كما فعل «أخيل» ببطل طروادة «هكتور» بعد أن جندله. ولم أصبح مشهورا لكتابٍ ألّفتُه، ولا لديوان أصدرتُه فأثار ضجة في الأوساط الأدبية، وأثنت عليه الصحف، وتبادر الكتَّاب والنقاد إلى تقريظه، فإني لأعجز وأنكل عن ذلك، وإني لَكَما يقول رئيس تحرير جريدة البلاد: «أقف على المحطة، والفتيان الجحاجح قد ركبوا وفاتوني». فللَّه دره، لقد أحسن في وصفه وأساء إلى موصوفه. ولكني نلت ذيل الطاووس، بدليل أن كثيرا من الناس يسألونني عن رأيي في كتاب صدر، أو ديوان طُبع، أو شاعر أشرق نجمه، وقد يركبني شيء من الغرور، وقد أنظر طويلا إلى «ذيل الطاووس» في خيلاء ودلال، وأقول رأيي الذي هو القول الفصل -كما أخال وأترقب مؤلفاً كيّساً «مثل الميداني» ليجعل من أقوالي «مجمع أمثال» آخر!. * البلاد السعودية - ع 681 س 12 «الإثنين 11 محرم 1367» ص6