يقولون: إن حياة الكاتب العظيم هي خير مؤلفاته، ومن حق الجمهور أن يطالبه بوضعها وشرحها؛ لأنها تزيده استنارةً وتفطناً لموضوعاته وأسلوبه، ومن واجب الكاتب الكبير أن يُلبي هذا الطلب. وبعض الكتاب يرى أن هذا الطلب ليس ضرورياً بالنسبة لأي كاتب كبير، وليس الكتاب الكبار يتمتعون بحياة يُمكن أن يجد القارئ فيها متعة فيما لو كتب هذه الحياة. يقول برنارد شو: «لا أدري لماذا يلح الناس على أن أكتب ترجمةً لحياتي، فأنا لم أقتل أحدا، ولم أكن في حياتي قد أتيت عملاً من أعمال البطولة، وإذا جردت حياتي من المسرحيات التي كتبتها وأكتبها فلن يبقى هناك شيء يستحق الذكر». برنارد شو، على ما نرى، كاتب كبير وعبقري من عباقرة الفكر، ولكن لم يرد أن يكتب شيئا مما لا يود أن يطلع عليه الناس من أسرار حياته وخصوصياته، ويكون فيما يكتبه للناس من فكر لا علاقة لحياته فيه أجدى وأوفر حظاً من الإمتاع، على أننا نرى بعضا من الذين يكتبون بأقلامهم عن حياتهم أشياء قد تكون من نسج الخيال ليضفوا عليها أبهة وعظمة، أو نرى بعضا يكتب أشياء بالغة في الكشف والصراحة لا يعنينا من أمر صراحته شيء، والبعض الأخير له من حياته ما يود أن يحتفظ به لنفسه، ولا يود إطلاع أحد عليه لسريته عنده، كبشر زلته لا بد واقعة في هذه الحياة، ولا يود أن يكون من الكتاب الذين يتحدثون عن أمجادهم أو الكتاب الذين يؤرون الاعترافات. الكاتب يمتلك القلم أداة النقل عن الفكر، وهو قد تعرفَ على الحياة أكثر وأكثر من خلال ما طالع وشاهد وقرأ لأجيال متعددة، وآمن بأن أجمل شيء يرفع من قيمة الإنسان هو الأدب، فاتخذ الأدب خطة لحياته التي يعيشها؛ لأنه يحيا بها ولها، ويعطي من معين هذا الأدب ما يجد فيه الفائدة والمتعة للناس. * ذخائر الذيابي * 1990