الإقبال على الأدب دليل رقي الأمة، ودليل عزمها على سلوك منهج الفضل الذي تتميز به الأمم الراقية، وليس ثمة غير ذلك يدل على رفعة أو علو همة أو أثر كريم، إلا ما كان له اتصال بالمعرفة وما ينشأ عنها من مقومات الخلق الكريم. وهنا في مواطن الأدب الرفيع التي كانت نبعا ثريا لتعاليم الخير منذ فجر الإسلام من أدب القرآن المجيد، وما تفرّع عنه من آداب إنسانية وعلوم نافعة، وقد خصنا الله بهذه النعمة الكبرى في أن هدانا لدين الإسلام دين المعرفة بكل سبل الخير والفلاح، الذي أمرنا أول ما أمرنا بانفتاح العقل على القراءة (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، وهذا أمر بسلوك خطة الفضل الأوفى في الحياة للنهوض بمستوى الإنسان ورفع قيمته بين الأحياء، ومعنى ذلك أن نظل نتتبع الأثر العرفاني أينما كان، ورحم الله أولئك الذين كانوا يسافرون، وعلى وسائط بدائية مرهقة من بلد إلى بلد حتى الأقطار النائية لاغتنام المعرفة ولاقتناص حديث. أما اليوم فإن كثيراً جداً من الناس قد تغيروا وسقطت بهم المادة إلى درك سحيق، وآثروا قضاء الحياة في فراغ فكري رهيب مغبته في النهاية الضياع. لقد حملني على كتابة هذه الكلمة كثير من الألم والحزن لما يلاقيه الأدب في هذه الأيام من إعراض حين توجه الدعوات إلى أناس يراد الاجتماع بهم على مائدة الفكر، تراهم لا يحضرون حتى إن كان المكان قريبا منهم، تذهب بهم أسباب الحياة المادية، الجادة فيها والعابثة، عن المشاركات الأدبية والفكرية مما يوحي بخصومة شنيعة بينهم وبين الأدب، وهذه علامة لا شك في أنها تنذر بأمر خطير، والإنسان مهما شعر بالاكتفاء المادي، فإنه بحاجة إلى أن يستمد غذاءه الفكري والروحي ليس من الكتاب فقط، وإنما بالحضور إلى استماع الأساتذة ذوي الاختصاص الذين يشاركون في إنارة الطريق. * ذخائر الذيابي * 1990