قال إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس في المسجد الحرام : وبعد أن فصل بهمة عالية ابنائنا الطلاب وفتياتنا الطالبات عن أيام الاختبارات فإننا ندعو الله سبحانه أن يكلل جهودهم بالتوفيق والنجاح ومساعيهم بالفوز والفلاح وأعمالهم بالخير والصلاح 0 ينبلج بعد هذه الأيام الوارفة من الإجازة الصيفية محياها ويتارج شذاها ورياها فالآمال إلى استثمارها مشرئبة رانية فيا بشرى لمن عمرها بالبرور والطاعات ووشاها ويا سعدى لمن دبجها بخير الخير وغشاها 0 وفي هذه يحسن أن يقيد من الأوقات نوادها ويسهل من حزون الإجازة مهادها ويبين من الاسبار كادها وجوادها ليتخذها المجاز منهجا وسبيلا والحائر بصيرة ودليلا لاسيما وقد حل موسم الصيف بكلكله اللافح وقيضه وسمومه الطافح. وأضاف فالوقت إما صديق ودود أو خصم لدود ومن أمارة المقت إضاعة الوقت ، وفي جليل وقيمته وعظيم أهميته اقسم الباري جل وعلا به وباجزام كالعصر والفجر والليل والنهار والضحى ويقول سبحانه(وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) ويقول صلى الله عليه وسلم (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ). و أستطرد فضيلته قائلا: ومع تطور أنساق الحياة المعاصرة وامتداد آفاق الناس في التوفر عن الجوانب الفسحة والمرفهات والتماس حظ من الترويح والمبهجات فقد غدا فقه الترويح والتسلية وتفصيل الترفيه والتسلية واستثمار أوقات الفراغ ضرورة حيوية وحاجة حياتية في هذا العصر المسخن بالأعباء الثقال الرازح تحت نيل الأعمال والأشغال حيث أن الاستمرار في الجهد والعمل مورث السآمة والملل والنفور والكلل ومن ثم تفتر الهمة وتسترخي العزيمة وتصبح العلل للإنسان لزيمة 0 فالاستجمام والتنقل والسفر يجددان النشاط ويبعثان على استئناف التألق والاغتباط . وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الشريعة الإسلام القائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد المبنية على رفع الحرج ومراعاة التيسير ومجافات التشديد والعنت والتعثير لم تحبس الفطرة النقية ولنوازعها المضبطة السنية دون الترويح والانطلاق قال تعالى مخبرا عن ترويح إخوة يوسف عليه السلام(أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون) قال أهل العلم المراد بذلك الاستجمام ورفع السآمة وهو مباح في كافة الشرائع ما لم يكن دأب وقال ابن جماعة رحمه الله لا بأس أن يريح الإنسان نفسه إذا خاف الملل وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ومن استعان بالمباح الجميل على الحق فهذا من الأعمال الصالحة 0 وقال الشيخ السديس: إن غياب التأصيل الشرعي لفقه الترويح ومقاصده مع فقدان أصول الإفادة من أوقات الفراغ والأجازات ليؤدي بالأمم والمجتمعات إلى مهاوي الخمول والجمود وفي ذلك تعطيل لملكات وقدرات يلزم استثمارها ومواهب وطاقات من الأهمية قدح زنادها واستنفارها فالمنهج الترويحي الإسلامي يستقبل فراغ الأوقات والاجازات بالبشر والطموح والأمل ويكره لإفراده التسيب والسبهللة والكسل لأن الوهن الروحي والفكري والكلل الوجداني والفطري يجعل من المرء سيء التفكير عليل التدبير لا يلوي إلا الترويح السلبي الهابط المتأسن في بؤر المهانة والإسفاف والانحلال والشهوات ويبدو كمن باعوا اخراهم بدنياهم وأوقات يومهم بأوقات نومهم , فما من قوم انخرطوا في سلك الاسترخاء والتخاذل وركنوا إلى التكاسل إلا تصرمت فيهم شموس الفضائل وتضرمت فيهم الشرور وأصبحوا نهبة للتسفل والانحطاط وغالة لزراء والإسخاط 0 وأفاد فضيلته أن الترويح المبرور الهادف إلى جلب الخيور ودفع الشرور ودعم العلاقات بين الأفراد والبيئات والأواصر بين الأمم والجمعات على أساس من التراحم والتعاطف والتلاحم والتلاطف بمتنوع الضروب وشتى الوسائل والطرائق هو سمة رقي المجتمع واستمساكه بمبادئه كيف لا ومنتهاه الشعور بالمسرة والحبور والأنس بمرضاة العزيز الغفور وقال لا للسفر للهو والعبث والمباهاة واقتراف المحرمات وانتهاك المباديء والأخلاق والقيم نعم للسفر للتفكر في ملكوت العزيز الغفار والاعتبار والابتكار والاتعاظ بأحوال الأمم كيف تقلبت بين ازدهار وانحدار واستقصاء الدروس والعبر يشهد بذلك أكمل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فقد كانت أوقاته خير مثال يقتدى وترويحه أزكى دليل يحتذي توسطا واعتدالا وسموا وكمالا 0 فقد كان صلى الله عليه وسلم اظهر الناس حزما ولطفا وأوفاهم إنسا وعطفا 0 وبين فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أنه ولما كانت الحياة الجادة المثمرة أبية عن الاستقلال دون الجوانب المشرقة في الترويح المباح فإنه لعزيز على العالم الإسلامي أن يقف شاخصا إزاء متطلبات المسلمين من ترفيه وترويح يتواءم ودينهم وسلوكهم وقيمهم وأعرافهم فعلى الآباء والأمهات ورجال التربية والإعلام أن يتواردوا على مقتضاة وما مقتضاه إلا تثبيت دعائم الحق والخير في نفوس الجيل مع الاعتزاز بالإسلام منهج حياة رسالة وعقيدة وشريعة وحضارة وأخلاقا وقيما وشعائر ومشاعر وأن يوجهوا الإجازة والاصطياف والترفيه البريء والسياحة الإسلامية صوب المنهج المنضبط بالقواعد الشرعية والآداب السنية عبر برامج عملية ومشروعات ايجابية أصالة ومعاصرة في توزن وتواؤم مع التكاليف الربانية وسوس الأنشطة والبرامج والخطط نحو تهذيب النفوس وإرهاف الذهن والحس وإلهاب الذكاء واللب تصعدا بطلائع النشء الصالح في مدارات النبل والعلا ومدارج العزائم والفضل 0 وقال: إن من النماذج وغور المناهج والمباهج في الترويح الشرعي المباح أيام الصيف والاجازات ما تنعم به بلادنا حرصها الله من إقامة الأندية الصيفية النافعة والدروس والدورات العلمية النافعة واللقاءات الثقافية والترفيهية البريئة وإنها لصروح للروح زكية وقلاع خير لفلذات المهج سنية بكفاءة موثوقة مأمونة يعضد ذلك المناطق السياحية الجذابة والمناظر الطبيعية الخلابة المنثورة في هذه الديار بكل المباهج والمسار تصون الحياء وتحفظ الأعراف بحمد الله ومنه ومزيد نعمائه وفضله 0 وفي المدينةالمنورة قال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ: إنه بحمد الله وتوفيقه اختتم أولادنا الامتحانات الدراسية ونسأل الله لنا ولهم وللمسلمين التوفيق الدائم والنجاح المستمر. وبهذه المناسبة نقف وقفات يسيرة الأولى : أن ما يحصل من الوالدين من مراقبة دائمة ومتابعة مستمرة للأولاد أيام الامتحان أمر محمود ولكن من الخطأ العظيم أن ينفض الوالدان أيديهما عن هذه المبادئ الخيرة والمساعي الجميلة سائر أيامه خاصة وقت الإجازة ، فمن مضامين رعاية الأمانة وجوب رعاية الأولاد ولزوم مراقبتهم في كل شأن والحذر من ترك الحبل على الغارب لهم حتى لا يقعوا في أسباب الشر والفساد وسبل الغي والضلال لاسيما في مثل هذه الأزمان التي عم فيها الشر وكثرت فيها أسباب الفساد فربنا جل وعلا يقول ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول ( كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته ). وأوضح فضيلته أنه في بلاد الحرمين وغيرها من بلدان المسلمين مساع خيرة من ثلة صالحة في مواسم الإجازة من حلقات تحفيظ القرآن والسنة والدورات العلمية النافعة والدورات التثقيفية النافعة من أمور الدنيا داعياً إلى المبادرة في توجيه الأولاد لاقتناص مثل هذه الفرص واغتنامها ، قال ابن عمر رضي الله عنهما (أدب ولدك فإنك مسؤول عنه ما علمته وهو مسؤول عن برك وطاعته لك بعد ذلك) ، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال (كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن). وأضاف فضيلته يقول/ أما الوقفة الثانية فهي أن أهل العقول النيرة والقلوب الواعية يتذكرون في الامتحانات وترقب النتائج المرضية بعدها يتذكرون الامتحان الأعظم والابتلاء الأكبر وهو يوم العرض الأكبر على الجبار جل وعلا ، يقول سبحانه وتعالى (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) ، فهذه الحياة مزرعة للآخرة وهي ميدان يجب أن يعمر بأداء الواجبات وامتثال المأمورات واجتناب المنهيات والمبادرة إلى الخيرات فالويل ثم الويل لمن أخفق في هذا الابتلاء ويل لمن ضيعها سدى وفوتها في الموبقات والسيئات فربنا جل وعلا يقول (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون). واختتم فضيلته خطبته بدعوة الوالدين القادرين إلى الحرص على ما يدخل السرور على نفوس أولادهم ويدفع عنهم الكلل والملل ويزيل الهم ويُفرج الغم بما هو مباح في الإسلام ونجاة ويعود بالخير ولا يوقع في شر وفساد .